- التفاصيل
- الزيارات: 2973
قراءة في تطورات القدس وانتفاضتها
استمرار جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الأقصى والفلسطينيين تنذر بمرحلة جديدة من الانتفاضة
إعداد: وسام محمد
محرر موقع مدينة القدس
بيروت في 11/3/2016
تتابع مؤسسة القدس الدولية عن كثب إجراءات الاحتلال الإسرائيلي العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية، لا سيما في الضفة الغربية والقدس، حيث أصبح واضحًا ازدياد اعتداءات الاحتلال وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني الأعزل خلال الأسابيع الماضية، كما لفتت العمليات البطولية الأخيرة الانتباه إلى تطور أداء الشباب الفلسطيني المنتفض في وجه الاحتلال منذ بداية تشرين أول/أكتوبر 2015.
وفي قراءة للأحداث في القدس والانتفاضة الفلسطينية، يمكن أن نسجل تطورًا ملموسًا على أربعة محاور أساسية:
أولًا: عودة الانتهاكات بحق المسجد الأقصى المبارك
لقد سجلت فترة بداية انتفاضة القدس تراجعًا ملحوظًا في حجم الانتهاكات الصهيونية بحق المسجد الأقصى المبارك من حيث عدد المقتحمين وسلوكهم داخل الأقصى، بالإضافة إلى قرار الحكومة الصهيونية بمنع الوزراء وأعضاء الكنيست من اقتحام المسجد المبارك، لكن تراجع شرطة الاحتلال عن قرار منع المتطرف يهودا غليك من اقتحام الأقصى شكل تطور خطيرًا، حيث برأت شرطة الاحتلال غليك في 25 فبراير/شباط 2016 من تهمة الاعتداء على مسنة فلسطينية في ساحات المسجد، والتسبب بكسر يدها في عام 2014، وسمحت له بالعودة لاقتحام المسجد الأقصى المبارك وهو ما فعله بعد خمسة أيام فقط من تاريخ قرار الشرطة، حيث قاد المتطرف يهودا غليك صباح يوم الثلاثاء 1/3/2016، اقتحامًا للمسجد الأقصى المبارك من جهة باب المغاربة على رأس مجموعة من المتطرفين الصهاينة تحت حماية معززة ومشددة من عناصر الوحدات الخاصة.
كما سجلت الأسابيع القليلة الماضية ارتفاعًا في حجم الانتهاكات الصهيونية بحق المسجد الأقصى المبارك والذي كان السبب الأساسي في تفجير انتفاضة القدس، ومن تلك الانتهاكات:
1. الاعتداء على المرابطين والمرابطات بالضرب المبرح واعتقال عدد منهن ومنع بعضهن من الصلاة في الأقصى
· اعتقال المرابطة هنادي حلواني في 6/3/2016
· الاعتداء على أحد حراس الأقصى بالضرب في 7/3/2016
· خلع حجاب إحدى المرابطات في 9/3/2016
2. ممارسة شعائر توراتية لمراسم زواج وحفلات بلوغ يهودية في المسجد الأقصى في 7/3/2016، وهذا التطور من أخطر التطورات وسيكون له ما بعده من تصعيد يهوديّ ضدّ الأقصى فيما لو مرّ بلا ردود.
3. محاولة مستوطن صهيوني مسلح اقتحام المسجد الأقصى المبارك في 7/3/2016، مما ينذر بنيّة المستوطنين افتعال جريمة جديدة في الأقصى على غرار جريمة المسجد الإبراهيمي عام 1996.
5. رفض الاحتلال الإسرائيلي السماح للأردن بنصب كاميرات في ساحات الأقصى إلا بمشاركته، رغم معارضة الكثيرين لهذه الخطوة الأردنية، إلا أن تعنت الاحتلال يستفز مشاعر المسلمين الذين ينظرون إلى الأقصى على أنه حقّ إسلامي خالص.
ثانيًا: ازدياد وتيرة الانتهاكات بحق الفلسطينيين
1. ارتفاع غير مسبوق في جرائم هدم المساكن:
ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في19/2/2016 أنّ السلطات الإسرائيلية تواصل منذ مطلع العام الحالي تكثيف عمليات هدم البيوت الفلسطينية في المنطقة (C ) من الضفة الغربية، بدعوى عدم حصول أصحابها على رخص بناء. وبيّنت أن السلطات الإسرائيلية هدمت فقط في الأسابيع الستة الأخيرة 293 مبنى وبيتاً فلسطينياً، مقابل 447 مبنى وبيتاً تم هدمهم على مدار العام 2015. ولفت تقرير الصحيفة، إلى أن السلطات تهدم منذ مطلع العام الحالي 47 بيتاً بشكل أسبوعي. وتأتي هذه الإجراءات الصهيونية كعقاب جماعي للفلسطينيين بسبب استمرار عمليات انتفاضة القدس.
2. التعرض للمرأة الفلسطينية التي يُشكل المساس بها عاملًا محرضًا للثأر الفلسطيني:
§ إعدام فدوى أبو طير(51 عامً) في 8/3/2016 في القدس المحتلة.
§ إعدام السيدة زينب الرشايدة (60 عامًا) بعد دهسها في الأغوار وإصابة ابنتها 26/2/2016.
§ إعدام أماني سباتين (35 عامًا) في بيت لحم في 4/3/2016.
3. تشديد الإجراءات الأمنية على الحواجز العسكرية وإهانة الفلسطينيين
التفتيش القاسي عند باب العمود في القدس- إطلاق القنابل الصوتية عند حاجز قلنديا في 18/2/2016.
4. الاستمرار في احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين :
تحتجز السلطات الإسرائيلية جثامين 8 شهداء حتى 9/3/2016 في محاولة للضغط على أهالي الشهداء، وبهدف إرهاب المجتمع الفلسطيني الذي يخرج منه الشهداء.
5. ارتفاع اقتحامات القرى والبلدات الفلسطينية:
§ حصار بلدة قباطية قرب جنين منذ 22/2/2016
§ اقتحام مخيم قلنديا شمال القدس المحتلة في 29/2/2016 وقتل فلسطيني وجرح 15 آخرين.
§ اقتحام مخيم الأمعري في بيت لحم في 15/2/2016 ما أدى إلى سقوط 28 جريحًا.
6. قيام عضو الكنيست الإسرائيلي المتطرف أفغدور ليبرمان بزيارة استفزازية لمدينة القدس المحتلة وسط حماية أمنية مشددة، وتجوله عند باب العمود "مسرح عمليات الطعن" وعدد من شوارع وأزقة القدس في 9/3/2016.
7. استباحة القبور التاريخية الإسلامية في عدد من المقابر لا سيما مقبرة مأمن الله في القدس المحتلة في 6/3/2016. وتشكل الانتهاكات الإسرائيلية بحق هذه المقبرة التاريخية استفزازًا كبيرًا للفلسطينيين كون المقبرة تضم جثامين صحابة وتابعين وعلماء وشهداء.
ثالثًا: السلوك الصهيوني:
أمام مشهد الانتفاضة الصعب على دولة الاحتلال والذي خلق أزمة أمنية في كل فلسطين المحتلة، زادت حدة التوتر والخلاف السياسي بين الحكومة الإسرائيلية والمعارضة، وحتى داخل الحكومة الصهيونية نفسها، مما يجعل التعامل الصهيوني مع الانتفاضة أكثر تعقيدًا وصعوبة، حيث نقلت الإذاعة العامة الإسرائيلية عن عضو الكنيست الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان مطالبته رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعلون بالرحيل والاستقالة من الحكومة.
وأضافت الإذاعة أن ليبرمان الذي يشغل رئاسة حزب "إسرائيل بيتنا" المتطرف اتهم نتنياهو بالفشل في مكافحة الإرهاب والدليل هو الهجمات التي استهدفت الإسرائيليين يوم الثلاثاء 8/3/2016 في عدة مناطق متفرقة، متوقعًا استمرار الأعمال الفدائية لستة أشهر أخرى.
وفي الشق الثاني من السلوك الصهيوني تجاه الفلسطينيين، فقد برز التخبط السياسي والإجرائي في التعامل مع الفلسطينيين، حيث يسعى الاحتلال إلى "صب الزيت على النار" من خلال سلسلة الإجراءات التي اتخذها في اجتماع حكومي مساء يوم الثلاثاء 8/3/2016، حيث أعلن مسؤولون إسرائيليون أن الحكومة قررت بعد اجتماع طارئ لقادة قوات الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو:
§ إنهاء أعمال بناء الجدار العازل حول القدس وفي الضفة الغربية بشكل سريع.
§ الإسراع في إقرار تشريع قانون يهدف الى معاقبة الذين يوظفون فلسطينيين في "إسرائيل" من دون تراخيص عمل، والبدء بإلغاء عدد كبير من هذه التراخيص.
§ طرد عائلات منفذي الهجمات من الضفة الى غزة.
§ إغلاق وسائل الإعلام التي "تحرض على الاحتلال" حيث أقدمت سلطات الاحتلال فجر يوم الجمعة 11/3/2016 على إغلاق مكتب فضائية فلسطين اليوم في البيرة في الضفة الغربية المحتلة واعتقال عدد من العاملين فيها ومصادرة ممتلكاتها.
§ الإسراع في تنفيذ قرارات هدم منازل منفذي العمليات.
رابعًا: السلوك الفلسطيني في الميدان:
يستمر الشباب الفلسطيني في انتفاضتهم ضد الاحتلال الإسرائيلي بالأساليب والوسائل المتاحة أمامهم، بوتيرة متفاوتة تزداد يومًا وتنخفض يومًا آخر مع تنوع جغرافي لأماكن تنفيذ العمليات الفدائية وعمليات الطعن التي تبدأ من القدس مرورًا بالضفة الغربية والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
ونظرًا لعدد العمليات الفدائية وعمليات الطعن العالي منذ بداية الانتفاضة، فإن الشباب المنتفض قد استفاد في تطوير خبرته في التخطيط والتنفيذ، وعرف بعضًا من نقاط الضعف عند الاحتلال الإسرائيلي ومجتمعه، في حين لم يدرك الاحتلال الإسرائيلي حتى هذه اللحظة أبرز ما يستفز الفلسطينيين ويغضبهم، ففي كل مرة يتعرض فيها الاحتلال الإسرائيلي للمرأة الفلسطينية يكون الرد الفلسطيني قويًا وأكثر تأثيرًا.
ففي صباح يوم الثلاثاء 8/3/2016، أقدمت قوات الاحتلال على إعدام الفلسطينية فدوى أبو طير(51 عامًا) على بعد أمتار من المسجد الأقصى المبارك، مما دفع الشباب الفلسطيني للرد على الجريمة بقوة وغضب، حيث أقدم شاب فلسطيني على إطلاق النار باتجاه دورية لشرطة الاحتلال على مدخل شارع صلاح الدين قرب باب العمود في القدس المحتلة وأصاب اثنين من الجنود بإصابات خطرة، واستشهد شاب فلسطيني ثان في «بيتاح تكفا» شمال «تل أبيب» بعد أن طعن صهيونيًا وأصابه بجروح متوسطة، في حين كان الرد الثالث الأقوى، حيث أقدم شاب فلسطيني على تنفيذ عملية طعن في مدينة يافا المحتلة أدت لمقتل مستوطن صهيوني وإصابة 11 آخرين بجروح مختلفة.
وفي تطور جديد أيضًا، ألقى شاب فلسطيني ملثم صباح يوم الجمعة 11/3/2016 قنبلة محلية الصنع باتجاه سيارة لأحد المستوطنين بالقرب من مستوطنة "عنتائيل" جنوب مدينة الخليل مما أدى لانفجارها دون تسجيل إصابات في صفوف المستوطنين.
إذًا، من الواضح أن هناك تطورًا بارزًا في السلوك الصهيوني الأمني والميداني الذي زاد من حدة التوتر والغضب عند الفلسطينيين الذي يفكرون جيدًا بالبحث عن وسائل أكثر إيلامًا للاحتلال الإسرائيلي، وقد بدأوا باستعمال بعض القطع والأسلحة الخفيفة في الضفة الغربية المحتلة، ولا شك أن الأيام القادمة ستجبر الفلسطينيين المنتفضين على الإبداع في البحث عن وسائل مميزة ومتنوعة يكون تأثيرها أكثر فعالية.
موقف مؤسسة القدس الدولية
1- ترى مؤسسة القدس الدولية أن الاحتلال الإسرائيليّ يعيد بممارساته الجائرة إنتاج الأسباب الرئيسة التي أشعلت انتفاضة القدس، لا سيما تصاعد الاعتداءات على المسجد الأقصى، واستمرار الاعتداء على النساء الفلسطينيات وخاصة المرابطات، وتصاعد عمليات هدم بيوت الفلسطينيين. وإن نظرة سريعة إلى نوعية العمليات الفدائية وكثافتها خلال الأيام القليلة الماضية تؤشر إلى منعطف تصاعدي تتجه إليه انتفاضة القدس، وربما يكون من لوازم هذا المسار الجديد زيادة عمليات إطلاق النار، والقيام بعمليات منظمة تسفر عن إيقاع عدد كبير من جنود الاحتلال ومستوطنيه.
2- إن استمرار السماح للمستوطنين الصهاينة باقتحام المسجد الأقصى المبارك والتجول في رحابه وتدنيسه تحت حماية قوات الاحتلال، سيؤدي حتما إلى تطور الانتفاضة وارتفاع قوتها وحدتها، وهو الأمر الذي أكدته مرارًا جهات إسرائيلية أمنية وسياسية في أكثر من مناسبة.
3- سيبقى المرابطون والمرابطات رمزًا للدفاع عن الأقصى، وإن استهدافهم سيشعل وقود الانتفاضة بلهب قوي وسينقلها إلى مسار جديد لا يقدر الاحتلال على تحمل تكاليفه باهظة الثمن.
4- إن استمرار احتجاز جثامين الشهداء، سيؤدي إلى مزيد من عمليات الانتقام والثأر لما تمثل هذه الجثامين من مكانة عند المجتمع الفلسطيني.
5- إن الإجراءات الأمنية التي تتخذها سلطات الاحتلال في القرى والبلدات وعلى الحواجز ستزيد من غضب الفلسطينيين خاصة فئة الشباب منهم.
6- لا يستطيع الاحتلال الإسرائيلي أو أي جهة كانت أن تلجم الانتفاضة أو تخمد وقودها لطالما بقي الاحتلال الإسرائيلي جاثمًا على أرض الفلسطينيين وحقوقهم وكرامتهم ومقدساتهم.
ترى مؤسسة القدس الدولية أن بإمكان شباب الانتفاضة امتلاك زمام المبادرة والانطلاق بالانتفاضة نحو مرحلة جديدة أكثر تأثيرًا، وتدعوهم إلى منع الاحتلال من استعادة مرحلة الاعتداء على الأقصى والمرابطين والمرابطات بلا رقيب أو حسيب.
وتدعو مؤسسة القدس الدولية المجتمع الفلسطيني إلى توسيع دائرة المشاركة في الانتفاضة والتنبه لأي مشاريع إلتفافية جديدة لإجهاض الانتفاضة خاصة بعد زيارة جون بايدن نائب الرئيس الأمريكي للمنطقة والزيارات السرية التي تجري بين عدد من الأطراف العربية والفلسطينية والاحتلال الإسرائيل