- التفاصيل
- الزيارات: 759
أي مشروع يخدم غياب المسيحية عن مهد اليسوع؟
يفقد التاريخ العربي جزءا مهما من أَلقه اذا ما غُيّب عنه مكون اساسي من مكوناته الثقافية، والوطنية، والسياسية... من كرم حاتم الطائي، وشعر الأخطل التغلبي، مرورا بأدب وفكر ميخائيل نعيمة، ومي زيادة، وجبران خليل جبران، وميشيل عفلق، وإدوارد سعيد، ووطنية جورج حبش، ووديع حداد، وكمال ناصر، وجول جمال، وسهيلة أندراوس، الى الفيروزيات في الصباحات.
شرقٌ يكاد نسيجه الاجتماعي يفقد واحدا من اهم عناصر فسيفسائه الديمغرافية، مع توقعات مركز "بيو" للأبحاث في واشنطن، بتراجع اعداد المسيحيين في الوطن العربي الى اقل من 3% فقط بحلول عام 2050، بعد ان كانوا يشكلون في سوريا والعراق مثلا، في العهد الأموي 80% من السكان، فما سر الهبوط الحاد بالأعداد، وأي مشروع يخدم غياب المسيحية العربية عن المنطقة، خاصة في فلسطين.
مع اتضاح ما يحاك للمنطقة من محاولات تقسيمها لدويلات، فإن الضحية الاولى كانت المسيحية العراقية التي انهارت اعداداها مما يربو عن المليون ونصف الى ما يقارب الـ300 ألف فقط منذ العدوان الاميركي على العراق عام 2003 (الذي اسماه جورج بوش الابن بالحرب الصليبية) مرورا بإرهاب داعش في الموصل، وتهجير مسيحيي سوريا الذين تقلصت اعدادهم من 30% الى اقل من الثلث بفعل تنظيمات تكفيرية تربطها بـ"اسرائيل" علاقات ما خفي منها اكثر مما ظهر من خدمات علاجية في المستشفيات الاحتلال.
وتراجع اعداد اقباط مصر بالهجمات الارهابية التي حاولت اميركا استغلالها بذريعة حماية الكنائس لتدخل وتتدخل في مصر، لتصطدم بعدها وتنصدم من الموقف التاريخي للبابا شنودة عندما قال: "ان كانت أميركا ستحمي كنائس مصر، فليَمُت الأقباط وتحيا مصر"، وتزامنت هذه المحاولة مع سعي التنظيمات التكفيرية لإفراغ سيناء من الاقباط في اطار ما يشاع عن محاولة تهجير الفلسطينيين اليها، بديلا عن حل الدولتين (دولة فلسطينية ودولة "اسرائيلية").
حروب وان كانت ساحتها مصر والعراق وسوريا فإنها على فلسطين، التي انخفض تعداد ابنائها من المسيحيين في احدث تعداد الى 1% فقط، بعد ان كانوا يشكلون قبل نكبة عام 1948 قرابة الـ11.2%، اذ يتضح مما نشر من وثائق، او من خلال مقابلات اجرتها "وفا" ان المكون المسيحي العربي هو العقبة الكأداء امام يهودية الكيان الصهيوني.
"حدود الدم" سايكس_بيكو جديد هدفها ابادة المسيحية العربية
وتشير دراسة صادرة عن مجلس القوات الاميركية للجنرال رالف بيترز، إلى أن الشرق الاوسط "سيغدو افضل ان اعيد تقسيمه بشكل أشد قسوة الى دويلات على اساس طائفي" (سني، شيعي، كردي، درزي...) أما الكيان الصهيوني فهو "دولة يهودية"، دراسة دعمتها تصريحات لمدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه، ومدير الاستخبارات الأميركية السابق جون برنّان، اللذين ادليا بتصريحات مفادها بأنّ: "الشرق الأوسط الذي نعرفه، انتهى إلى غير رجعة، وأنّ المنطقة لن تستعيد شعوبها أيضا"، في اشارة الى "التطهير" الاثني والديني.
مواقف دفعت برئيس المؤسسة الدولية لوحدة الشعوب الأرثوذكسية فاليري الكسيف، الذي زار المشرق للتصدي لما اسماه "للخطة الغربية لتهجير المسيحيين"، بالقول انه "فوجئ بأن باريس ردّت عليه بالقول: "يجب تشجيع مسيحيي الشرق الأوسط على الهجرة إلى أوروبا".
دور رسمي غربي عبر السفارات لتهجير المسيحيين
ويروي الاسير المحرر والمحاضر في جامعة بيرزيت وسام الرفيدي، عن هذا الدور، بالقول: "هناك سياسة امبريالية غربية لتهجير المسيحيين بذريعة حمايتهم، ولنأخذ مثلا انتفاضة عام 1987، في تلك الفترة كانت السفارات الغربية تتذرع بمحاولة حماية المسيحيين في فلسطين، وتقدم اغراءات للعائلات المسيحية في منطقة ما يسمى بالمثلث المسيحي (بحسب تعبير ابو عمار) وهي منطقة بيت جالا، وبيت ساحور، وبيت لحم، للسفر الى الغرب في وقت قياسي، والهدف واضح وهو إفراغ الوطن من المسيحيين".
رواية اكدتها الباحثة والمحاضرة في جامعة بيرزيت هديل فواضلة، التي قدمت رسالتي ماجستير ودكتوراه في موضوع هجرة وتهجير المسيحيين من فلسطين، حيث نوقشت رسالتها الاخيرة في فرنسا.
وتشير فواضلة الى انها وخلال بحثها الجاد عن دور السفارات، توجهت بحقائق وشهادات جمعتها من مواطنين مسيحيين يقيمون في الضفة الغربية، الى السفارات الغربية عن دورها في تهجير المسيحيين، الا انها كانت دائما تصدم بجدار الصمت ورفض التعليق على هذه الحقائق والشهادات من هذه السفارات، ليغلق لاحقا الباب في وجه التعامل معها نهائيا في هذا الموضوع.
وتؤكد فواضلة، ان السفارات في الشرق الاوسط وبعد الاحداث الدامية التي اعقبت صعود التيارات التكفيرية، خاصة بعد 2011 كانت تهجر المسيحي العربي بسرعة قياسية بمجرد ابرازه اي وثيقة تثبت دينه، موضحة ان الهدف من وراء ذلك هو تحويل الصراع في المنطقة الى صراع ديني (اسلامي-يهودي) خدمة للمشاريع الصهيونية، ولتحقيق ما تطمح له اسرائيل بيهوديتها وطرد كل ما هو ليس يهوديا.
وكانت شبكة "سي بي اس" الأميركية، قد كشفت النقاب عن ضغوط من اعلى المستويات السياسية للاحتلال (نتنياهو) لمنع بث تقرير ضمن البرنامج الشهير "60 دقيقة"، حول سياسة إسرائيل لتهجير المسيحيين من القدس وبيت لحم، حيث كشف البرنامج عن "المضايقات التي يتعرض لها المسيحيون من قبل الاحتلال، والذي يحول حياتهم إلى جحيم في فلسطين" بحسب الشبكة.
جحيم يتسق مع جوهر مبادئ وارهاب منظمة "لاهافا" (الشعلة) "الاسرائيلية"، التي اعلن زعيمها المستوطن بنتسي جوبشتاين، على الملأ تأييده إحراق الكنائس المسيحية بالأرض المحتلة، مردفا "طبعا يجب ان نحرقها فهذا ما ورد في التوراة"، مواقف لم تجد معها وزيرة "القضاء" ايلات شاكيد من مسوغ قانوني لإخراج منظمة "لاهافا" عن القانون.
يضاف الى ذلك محاولة فرض الاحتلال ضرائب بمبالغ تفوق الـ190 مليون دولار على العقارات التي تغطي نفقات الكنائس في فلسطين، ما يحرم المسيحيين مما تقدمه الكنائس من خدمات طبية وتعليمية، وحتى من نفقات الكنائس نفسها والمتعلقة بطعام رجال الدين، ومستلزمات الكنيسة وغيرها، خاصة بعد ان استولى الاحتلال بعد النكبة على اكثر من 50% من اراضي المسيحيين، وعلى 20% بعد النكسة، بحسب الأمين العام للهيئة الاسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات حنا عيسى.
مسيحية "مشوهة" تعتنق الصهيونية وتتنكر لتعاليم المسيح
"من يريد بناء الجُدران لا الجسور لا يُعدُّ مسيحياً، أفكاري تذهب إلى القدس ولا يسعني أن أسكُت، أنا قلق إزاء الوضع الذي برز في الأيام الأخيرة (استشهاد العديد من الفلسطينيين في هبة الاقصى)، وفي الوقت نفسه أُناشد الجميع احترام الوضع الراهِن للمدينة وفقا لقرارات الأُمم المتحدة ذات الصِلة"،.. الكلام هنا لبابا الفاتيكان البابا فرنسيس واصفا افعال الرئيس الاميركي ترمب التي تعكس حقيقة ايمانه، وقراره بنقل سفارة بلاده الى القدس المحتلة والاعتراف بها عاصمة لكيان الاحتلال.
ايمان وعقيدة يرجع بها ترمب الى من يُعرفون بـ"الإنجيليين" المُحافظين في (أميركا) الذين دعموه للوصول إلى السُلطة، كما دعموا رؤساء قبله خصوصا "جورج بوش" الابن، وهم ايضا من ضغطوا لاتخاذ القرار بشأن (القدس)، فهم يؤمنون بضرورة بناء "هيكل أورشليم" على ركام المسجد الاقصى، وبمعركة "هرمجدون" لتسريع المجيء الثاني للسيّد "المسيح"، ويقدر عددهم في اميركا من 50-100 مليون.
ويقول البروفيسور في عِلم اللاهوت غاري بيرج، احد المنتمين إلى مجتمع الإنجيليين، ان هذه الطائفة "تعتبر نشأة "إسرائيل" كأرض للميعاد من أشكال الاكتمال اللاهوتي، ويمكن التأكيد على أن المسيحيين الفلسطينيين غير موجودين بالنسبة لاتباع هذه الطائفة".
ويقول رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس المطران عطا الله حنا، "لم يكن ترمب ليصل لهذه الدرجة من الوقاحة لولا الواقع العربي المأساوي، وما يسمى بالغرب ليس مسيحيا بالمعنى الديني فهو علماني، والاهم انه امبريالي هدفه الاول التوسع في وطننا العربي، والمسيحية الشرقية لا تعنيهم بشيء انما هي مجرد ذريعة للمزيد من محاولة بسط النفوذ على حطام المسيحيين في المشرق.
ويضيف حنا: "اميركا والمنظومة الغربية مسؤولون عن نكبتنا، فتيار ترمب الذي يسمي نفسه مغالطة بالمسيحيين الصهاينة والمسيحية براء منهم، هو تيار صهيوني ويأتون الى فلسطين ليس لزيارة كنيستي المهد والقيامة، بل لزيارة المستوطنات والتضامن مع الاحتلال، وهم لا يعتبروننا موجودين ولا يتعاطون معنا، ونحن لا يشرفنا ابدا التعامل معهم".
خشية حقيقية من غياب المسيحية بفلسطين
ومع بلوغ عدد الفلسطينيين فـي العالم حوالي 12.7 مليون فلسطيني، تقدر نسبة المسيحيين منهم بحوالي الـ20%، حيث كانت اولى الهجرات المسيحية في اواسط القرن الـ19 ابان الاحتلال التركي، يليه الاحتلال البريطاني، اما الضربة القاصمة فقد كانت بفعل النكبة عام 1948، حيث ان الثقل المسيحي كان في الساحل: عكا، وحيفا، ويافا. إضافة للقدس، ومع التهجير القسري فإن عدد المسيحيين انخفض لأكثر من النصف، يليه التهجير الذي اعقب النكسة، وانتهاكات الاحتلال لاحقا، فعلى سبيل المثال اغلقت جامعة بيرزيت 5 مرات قبل الانتفاضة الاولى (انتفاضة الحجارة) في أعوام 1973، و1984، و1985، و1986، و1987، وعدد كبير من طلاب تلك الفترة تعطلت دراستهم، ونسبة من الطلاب المسيحيين سافروا الى الخارج لإكمال دراستهم، اضافة الى الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب خلال الانتفاضات المتلاحقة، والتي اسهمت في هجرة المسيحيين وغير المسيحيين، الا ان قلة تعداد المكون المسيحي جعلت من أي هجرة تؤثر عليهم بشكل واضح.
ومع ما تظهره احصاءات جهاز الاحصاء المركزي من تراجع في أعداد المسيحيين بعد ان كانوا عام 1997 يشكلون 1.5% من السكان (غزة والضفة) انخفض في عام 2007 ليصل الى 1.2%، اما في احصاء 2017 فقد وصل الى 1% فقط، ارقام اعرب معها المطران عطا الله حنا عن خشيته الحقيقية من غياب المسيحية الفلسطينية عن كنيستي المهد والقيامة، ان لم يسارع الى تدارك النزيف.