كيـــف تدمر أمـة؟ .." الجزء الثاني"

سارة الطباخ
المصدر: موقع اليوم السابع
تاريخ النشر الأحد، 07 مايو 2017
 
تحدثنا فى المقال السابق عن التخريب كونه هو كلمة السر لانهيار المجتمعات والدول.
واليوم نواصل الحديث عن مراحل عملية التخريب.. وكيف تتم بإحكام؟ فهناك أربعة مراحل تخريب يجب أن نمر عليها حتى تأتى بالنتائج المرجوة وهى: أولا: مرحلة تدمير الأخلاق ونزع الروح المعنوية
 
Demoralization
قلنا فى المقال السابق إن مرحلة تدمير الأخلاق ونزع الروح المعنوية لدولة ما قد تأخذ ما بين 15 و20 عامًا، وهو يفسر الاحتياج إلى هذا العدد من السنين، لأنها المدة المطلوبة لتعليم وتخريج جيل واحد من الطلبة المحملين بأيديولوجيا المخرب.
 
subverter
فى الدولة المستهدفة، وهدف هذه الخطوة هو إزالة أى معوقات أمام الأيديولوجيا المستوردة من المخرّب عن طريق الإجهاز على أى أيديولوجيات قومية متينة.
 
ولتحقيق النجاح فى خطوة تدمير المرحلة الأولى الخاصة بالأخلاق ونزع الروح المعنوية يجب المرور على ثلاثة مراحل تخريب أساسية:
تخريب المجال الفكرى: الذى يشمل على «الدين، التعليم، الإعلام، والثقافة».. فالأفكار، هى التى تؤدى إلى التغيرات الضخمة فى مسار التاريخ، ومن أهم أهداف هذا المستوى هو التركيز على الدعائم الفكرية التى ترتكز عليها الدولة المستهدفة كالدين والتعليم والإعلام والثقافة.
 
فبدايةً، على المخرّب أن يفكك الدعامة الدينية التى توفر الثوابت الأخلاقية ويمكن تحقيق هذا بطرق عدة أهمها «تسييس» الديانات السائدة، فربط الأساسيات الدينية بالاتجاهات والصراعات السياسية يعد أول مسمار فى نعش هذه الأساسيات، لأن هذا يدنسها ويفقد ثقة العامة بها، فلكى تدمر الدين فعليك بزرع كوادر دينية جديدة أو استمالة الكوادر القديمة كى يخوضوا بقوة فى المجال السياسى، وعكوف المؤسسات الدينية على جمع التبرعات التى تجعل المتدين يعتقد أنه ورع وتقى ويشعر بذلك أنه قد أدى ما عليه تجاه هذا الدين، كل هذا بخلاف حرص رجال الدين على الظهور الإعلامى، وبهذا يخرج من دائرة التبجيل والوقار إلى دائرة الهزل والاستهتار به فتتحول إلى مادة ترفيهية.
 
والدعامة الثانية فى هذه المرحلة هى التعليم، ويهدف المخرّب بها لنشر الجهل فى الدولة المستهدفة مع إعلاء أفكاره وتمجيدها، بحيث تخرج أجيال من الطلبة الناقمين على دولهم العاشقين للأفكار التخريبية، الدعامة الثالثة هى الإعلام، فاحتكار الإعلام وفرض وجهة نظر واحدة تعد من أهم طرق تأثير المخرّب على أفكار الدولة المستهدفة، هذا بالإضافة إلى التشهير بالكوادر الوطنية والتركيز على المشاكل التافهة وغض البصر عن المشاكل الرئيسية، أما الدعامة الأخيرة هى الثقافة.. وفيها يحاول المخرّب استمالة الكتاب والشعراء والفنانين المغمورين فى الدولة المستهدفة ويدعمهم ويدعم أفكارهم المناهضة لدولتهم حتى يكبروا وتنتشر أفكارهم بين الناس وخاصةً الأجيال الناشئة. تخريب المجال البنيوى: وتشمل على «القانون والنظام - العلاقات الاجتماعية - الأمن - السياسات الداخلية - العلاقات الأجنبية الاقتصادية»، وفيها يستهدف المخرب إسقاط وضرب الأعمدة والهياكل الرئيسية للدولة المستهدفة كالهياكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وأهم هذه الهياكل هى مؤسسات القضاء والشرطة والجيش، فعلى المخرّب أن يركز على كل ما يثير إستياء العامة تجاه هذه المؤسسات ويدفعهم إلى الهجوم عليها مما يقلل من فاعلية هذه المؤسسات فى أداء مهامها وهذا بالتالى يزيد من الاحتقان، أيضا العمل على خلق خلافات دولية، انعزال عن دول صديقة بسبب أزمات اقتصادية مفتعلة.
 
تخريب الحياة: وتشمل على «الحياة الأسرية والاجتماعية - الصحة - العرق - السكان - العمل». المستوى الثالث والأخير فى خطة المخرّب لتدمير الأخلاق ولنزع الروح المعنوية هو مستوى الحياة، ويبدأ هذا المستوى بتخريب الحياة الأسرية، فجعل الأسرة المفككة هى النموذج العام، حيث يقلل من ولاء الابن أو الابنة لهذه الأسرة، مما يمهد لتقليل ولائهم تجاه دولتهم كخطوة تالية، جانب آخر لهذا المستوى هو جانب الحياة الرياضية فتشجيع الرياضة أن تصبح احترافية بالمقام الأول يدفع الجموع إلى الاكتفاء بمتابعتها على الشاشات أثناء تناول الأطعمة غير الصحية، وهذا يقودنا بالتالى إلى أهمية تشجيع إنتاج الأطعمة السريعة الاستهلاكية التى تفسد صحة المواطنين وتصيبهم بالبلادة الجسدية والعقلية، مع بضعة من الجوانب الأخرى وهى العمل على إثارة الفتن بين الأقليات فى الدولة المستهدفة، الحث على زيادة التمدن، حيث يكون الفلاح الذى يمتلك أرضه فى الغالب أكثر الناس وفاء لهذه الأرض ومن ثم لدولته، وأخيرًا العبث فى النقابات العمالية والتشجيع على التظاهرات التى لا تطالب بالضرورة بطلبات مشروعة، بل تكون أشبه بمحاولات الابتزاز خاصة إذا تمت فى أوقات تكون الدولة فيها فى أمس الحاجة إلى خدمات هؤلاء العمال.
 
المرحلة الثانية من الخطة التخريبية هى: زعزعة الاستقرار Destabilization، فهذه الخطوة قد تأخذ بين عامين وخمسة أعوام، وأولى علامات زعزعة الاستقرار هى صراعات القوة التى يلجأ فيها العامة منزوعو الروح المعنوية إلى الخيارات الأسهل، مثل اختيار السياسيين ذوى الشخصيات الكاريزمية والذين يتعهدون بتحقيق الاستقرار وبتقديم الحلول السريعة السهلة لمشاكل الدولة، هذه الحلول التى دائماً ما تفشل وتؤدى إلى مشاكل أكبر وأكثر.. وكنتيجة طبيعية لزعزعة الاستقرار تلجأ الدولة إلى السيطرة على الموارد الاقتصادية بحجة حماية مصالح الدولة، مما يؤدى إلى المزيد من القوة التى تحتكرها الدولة ومزيد من احتقان المواطنين تجاهها، حيث تكون الصراعات الداخلية نتيجية طبيعية تؤدى إلى عزلة الدولة المستهدفة عن باقى دولها الصديقة، وهنا تأتى دولة المخرّب لتقدم يد العون الوحيدة إلى الضحية وبهذا تضعها فعليًا تحت سيطرتها، ووقتها تصبح الدولة المستهدفة مهلهة وهشة. وتأتى بمرحلة الأزمة Crisis التى لن تستغرق أكثر من شهرين إلى ستة أشهر لحدوثها، وفى هذه المرحلة يتم تنشيط جميع الخلايا النائمة للمخرّب فى الدولة المستهدفة لاستغلال إرتباك الجماهير وخوفهم والسيطرة على الأمور سريعًا.
 
عند بلوغ هذه المرحلة لن يحتاج المخرّب إلى أى تدخل عسكرى فى الدولة المستهدفة، فقد خضعت له هذه الدولة بالفعل بأن أصبح عناصره هم المالكين لقوت يوم مواطنيها، ويستطيع كذلك إجراء التغييرات الجذرية مثل تأميم الممتلكات وإعادة توزيع الثروة كيفما يحلو له مسلحًا بالجهاز الإعلامى الذى يبرر له كل ما يفعله، أما الخطوة الأخيرة هى «التطبيع» Normalization، فتطبيع المواطنين فى الدولة المستهدفة على الأوضاع الجديدة وهذا قد يتم بالقوة إذا لزم الأمر، فرغم أن معظم المواطنين لن يقاوموا التغيير إلا أنه لابد من ظهور بعض خلايا المقاومة هنا وهناك التى لن ترضى بهذه التغييرات التعسفية، لكن هذه المحاولات يمكن ويسهل وأدها، وبهذا تتم عملية التخريب الأيديولوجى بنجاح منقطع النظير. لعلنا ندرك الآن كيف يتم تخريب روابط مجتمع وكيف تنفذ خطة التخريب للدول بالتدريج، وسوف أقوم بثرد وقائع وتحليل أحداث ما حصل فى مصر والشرق الأوسط، وكيفية مواجهة عمليات التخريب فى سلسلة المقالات المقبلة.
 
المصدر: موقع اليوم السابع