إطلالة على انعكاسات الانتفاضة الفلسطينية على "إسرائيل" من الداخل

 

تقرير صحفي صادر عن إدارة الإعلام في مؤسسة القدس الدولية

إعداد وسام محمد

منذ بدء الانتفاضة الفلسطينية والتي عرفت بـ "انتفاضة القدس" يعيش المجتمع الإسرائيلي حالة دائمة من القلق والرعب والتوتر بفعل المواجهات المشتعلة بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة واستعمال الفلسطينيين لوسائل جديدة في الانتفاضة الفلسطينية لا سيما الطعن والدهس وبعض العمليات الفدائية في النقب والخليل .

 

الغضب الفلسطيني جاء ردًا على اقتحام المسجد الأقصى المبارك ومحاولة تقسيمه زمانيًا ومكانيًا وتغيير الوضع التاريخي للمسجد، فضلًا عن الاعتداء على المرابطين في الأقصى والهجمات الصهيونية على المدن والقرى الفلسطينية، حيث انعكست هذه الانتفاضة سلبًا على الحياة في دولة الاحتلال مكوناته وأقسامه كافةً لا سيما القطاع الاقتصادي والأمني، فضلًا عن فضح الواقع الصهيوني الأمني الهش والإفلاس السياسي عند قيادة دولة الاحتلال.

 

نحاول في هذا التقرير رصد الواقع الصهيوني من الداخل لا سيما الواقع الأمني والسياسي والمجتمعي بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، ومدى انعكاس هذه الانتفاضة على "إسرائيل"، ضمن سلسلة من التقارير التي سننشرها تباعًا عن الانتفاضة الفلسطينية .

 

انعكاس الانتفاضة الفلسطينية على المستوى الأمني داخل دولة الاحتلال:

 

يعيش الشارع الصهيوني وسط مناخٍ من الرعب نتيجة تصاعد العمليات الفلسطينية والشعور بانعدام الأمن الشخصي لدى الجمهور الإسرائيلي وفقدان الثقة بالسلطات الأمنية الإسرائيلية، حيث أعربت صحيفة معاريف العبرية أن 80% من مستوطني الكيان يشعرون بتردي أمنهم الشخصي منذ بداية اندلاع الانتفاضة الفلسطينية وأنهم لم يعودوا يأمنون على حياتهم خارج البيت.

 

ولفتت الصحيفة إلى أن رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي رؤوفين ريفلين يخشى التجول في شوارع القدس "وتل أبيب" بسبب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، وتعرضه شخصيًا لسلسلة من رسائل التهديد عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي لعبت دورًا بارزًا في التحريض على مواجهة الاحتلال ومقاومته بالطرق المشروعة كافة.

 

وفتحت الانتفاضة أبوابًا جديدةً في الصراع العربي الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي، وفرضت حالة من الضغط النفسي على المجتمع الإسرائيلي غير المهيأ في الأصل لمثل هذه الأحداث، وهذا ما أكدته صحيفة هآرتس العبرية حيث أوضحت على صفحاتها "حالة الهستيريا" التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي، وعنونت بالخط العريض أحد مقالاتها بـ "نار ملتهبة في الشوارع" تناولت فيه حال الشارع الإسرائيلي وحالة الهستيريا التي تسيطر عليه بعد حالات الطعن التي امتدت إلى العمق الإسرائيلي، كما تطرق المقال إلى خطورة حالة الهستيريا هذه في الشارع الإسرائيلي والتي أصبحت تشكل خطرًا على أمن الإسرائيليين أنفسهم.  

 

في 5 تشرين أول/أكتوبر، صادق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر على هدم منازل منفذي العلميات الفدائية وعمليات الطعن ومصادرة ممتلكاتهم وسحب هوياتهم، كما شجعت السلطات الإسرائيلية المستوطنين على حمل السلاح، حيث نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تقريرًا يوضح ارتفاع عدد الطلبات لحيازة السلاح عند الإسرائيليين نتيجة الخوف المنتشر في صفوفهم.

 

وأكدت الصحيفة ارتفاع طلبات حمل السلاح من 150 طلبًا في اليوم، إلى 8 آلاف طلب خلال الأسبوعين الأخيرين، وتحديداً بعد إصدار وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، غلعاد أردان، قراراً بتخفيف القيود على الحصول على تصريح لحيازة سلاح.

 

الانعكاس السياسي

 

تطورت الأحداث وتوالت السجالات داخل المؤسسات الرسمية في دولة الاحتلال لتترك أثرها داخل المؤسسة الرسمية الإسرائيلية عندما بدأت الاتهامات المتبادلة بين كثير من الأطراف التي كانت تُحَمِّل كل منها المسؤولية  للطرف الآخر في اندلاع الانتفاضة وتأجيج الشارع الفلسطيني واستفزازه، وهذا يعبر عن حالة التخبط السياسي التي تسود "إسرائيل".

 

مصادر أمنية إسرائيلية حمّلت وزيرة الرياضة الإسرائيلية "ميري ريغيف" المسؤولية عن "تفجّر الأوضاع الأمنية بين الفلسطينيين والإسرائيليين" بسبب تصريحاتها المتكررة في السنوات الأخيرة في ما يتعلق بالسماح لليهود بتأدية الصلوات والشعائر التلمودية داخل المسجد الأقصى.

 

 وحمل نائب وزير المالية الإسرائيلي "يتسحاق كوهين"  وزير الزراعة "أوري أرئيل"  ونائب وزير الخارجية "تسفي حوتبولي المسؤولية عن تدهور الأوضاع الأمنية داخل "إسرائيل"، حيث اعتبر كوهين الزيارات المتكررة لوزير الزراعة أرئيل ونائبة وزير الخارجية حوتبولي للمسجد الأقصى هي السبب في تدهور الأوضاع وإثارة الغضب الفلسطيني.

 

وفي السياق، خرج الآلاف من الإسرائيليين في "تل أبيب" في مظاهرة حاشدة للاحتجاج على الأوضاع الجارية والمطالبة باستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين وإعطائهم حقوقهم، ودعت مجموعات أخرى -تؤيد حل الدولتين- إلى التحرك من أجل بناء سلام شامل مع الفلسطينيين.

 

وأظهر استطلاع أجرته القناة الثانية العبرية عدم رضا 73% من المستطلعة آراؤهم عن أداء نتنياهو، وذلك في تدني كبير عن الاستطلاعات التي أجريت قبل اندلاع الانتفاضة مطلع تشرين أول/أوكتوبر 2015.

 

وبين الاستطلاع حدوث انقلاب في المفاهيم الأمنية لدى الجمهور الصهيوني؛ فبعد أن كان يلقب نتنياهو برجل الأمن، حل الآن في المرتبة الثالثة من حيث قدرته على إعادة الأمن ومكافحة العمليات بواقع 15% فقط، وشن المعلق السياسي في صحيفة "معاريف" بن كاسبيت هجومًا كاسحًا على نتنياهو، لافتًا إلى أن "اللهب يزداد اشتعالًا، ونتنياهو يصب الزيت على النار بدلًا من صب الماء البارد".

 

إن رد الفعل الإسرائيلي المتطرف في التعامل مع المواجهات سيعمل على تأجيج الغضب الجماهيري ويزيد من حدة الانتفاضة وتطوره، حيث تعبر هذه الاجراءات عن إفلاس سياسي إسرائيلي في التعامل مع الانتفاضة الفلسطينية، ويتجاهل السياسيون الإسرائيليون، وفي مقدمتهم نتنياهو ووزراء حكومته، حقيقة أن الانتفاضة الحالية اندلعت بالأساس احتجاجاً على اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك واعتداءاتهم على المرابطين والمرابطات في الأقصى وجرائم جنود الاحتلال ومستوطنيه بحق الفلسطينيين العزل في القدس المحتلة والضفة الغربية.

 

الانعكاس الاقتصادي

 

 بعد مرور شهر على الانتفاضة الفلسطينية، برزت مؤشرات لها دلالات كبيرة على تراجع أداء الاقتصاد الإسرائيلي، خاصة أن الأمن هو الركيزة الأهم لتحقيق نسبة نمو اقتصادي ترقى إلى معدلات النمو السكاني والهجرة اليهودية إلى "إسرائيل" ومتطلبات المجتمع الإسرائيلي الاقتصادية.

 

وأوضحت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن قطاع الخدمات خاصة المطاعم والمقاهي، تعرض لخسائر جسيمة منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، بعدما خلت المطاعم من روادها ما يشكل تهديدًا حقيقيًا على استمرار عملها.

 

وفي هذا السياق أكدت وسائل الإعلام الإسرائيلية، أنه وبعد شهر من انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية، تفاقمت التكلفة الاقتصادية على "إسرائيل"، لتصل إلى 11 بليون شيكل، أي نحو 2.8 بليون دولار،  وفي حال استمرت الانتفاضة لشهرين آخرين، فإن الاقتصاد الإسرائيلي سيخسر 5.6 بليون دولار، وبالتالي سيحقق معدل نمو سلبياً في نهاية العام الجاري، وسيفقد نحو 6 في المئة من النمو السنوي، أي حوالي20  بليون دولار.

 

الهجرة العكسية

 

ثمة إجماع بين المتابعين للشأن الإسرائيلي، بأن هناك خسائر من نوع آخر، حيث تتراجع أرقام الهجرة اليهودية إلى "إسرائيل" مع استمرار الانتفاضة الفلسطينية بمساراتها المتوقعة كافةً، ويعتبر باحثون في مجال الديموغرافيا أن عوامل الجذب للمهاجرين اليهود قد تراجعت بشكل ملموس باتجاه "إسرائيل"، بسبب انعدام الأمن منذ بداية شهر تشرين أول/ أكتوبر 2015، الأمر الذي يشير إلى باحتمال أن يكون ميزان الهجرة سلبياً في نهاية العام، كما حصل خلال الانتفاضتين الأولى والثانية.

 

 وما يعزز هذا الاتجاه أنه مع كل هبّة أو انتفاضة فلسطينية عارمة، تزداد أعداد طلبات الشباب اليهود المقدمة للسفر إلى الدول الأوروبية وأميركا الشمالية بفعل انعدام الأمن الإسرائيلي ورغبة الإسرائيلي للعيش بأمن وطمأنينة بعيدًا عن جو الحروب والمواجهات.