ويبقى الخاسر الوحيد هو الشعب الفلسطيني وحق العودة...

عن كاتب ومحلل فلسطيني مجهول من مخيم عين الحلوة
وتوالت المبادرات واﻹقتراحات الهابطة في ظل اشتداد حدة اﻹشتباكات وبدأ البعض يعيد حساباته بشأن الحسم العسكري الذي وافقوا عليه إما ﻹزالة اﻹحراج عن تغطياتهم السابقة لحالة بلال بدر وامتصاص النقمة الشعبية والغضب الجماهيري ضدهم، وإما مناورة لتمييع وتضييع أهداف الحسم.
وأدخلت الفصائل الفلسطينية في نفق التراخي والتساهل وفرض عليها التراجع والمساومة وأن يتوارى بلال بدر عن اﻷنظار وتتسلم القوة المشتركة حي الطيرة وتنتشر في المواقع المحددة لها في القرار.
 
لكن حتى هذه اللحظة لا أحد يعرف كيف توارى وأين توارى؟
وماذا ستفعل الجهة التي اقترحت أن يكون في عهدتها إذا ما طالبت اﻷجهزة اﻷمنية بضرورة تسليمه إياه ومن معه؟
وهل نجحت القوة المشتركة في إنهاء ظاهرة بلال بدر باﻹحلال محله في حي الطيرة؟
وماذا لو فاجأ الجميع بجولة من اﻹغتيالات ولا أقول المواجهة المباشرة وأعاد اﻷمور إلى المربع اﻷول؟
عندها ماذا سيكون موقف أصحاب التسامح والنوايا الحسنة؟
 
أسئلة كثيرة تدور في الأذهان ، تجيب عليها الساعات واﻷيام بل والشهور القادمة ....
 
هناك إمتعاض وغضب شعبي لما آلت إليه المواجهات وربما يتأثر اﻹجماع الفلسطيني وتحصل انتقادات وتبادل إتهامات بشأن التسوية المذلة، وربما يتفلت البعض ويأخذ على عاتقه مواجهة المجرم المختبئ خاصة بعد الدمار الهائل في الممتلكات والخسائر البشرية و نزوح كثيف للعائلات من المخيم...
 
ولكن الأسئلة المطروحة اﻵن هي
لماذا لم ينفذ قرار الحسم العسكري؟
ولماذا وصلت اﻷمور عند هذا الحد؟
ومن هي اﻷطراف المستفيدة من التسوية ببنودها المعروفة للجميع؟
وماذا بعد الجولة اﻷولى؟
لقد ساهمت بعض المعطيات في الوصول إلى إتخاذ قرار الحسم العسكري نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
 
أولا : القرف الشعبي والقلق على المصير جراء ما كان يحصل بين الحين واﻵخر من إشتباكات وتوتيرات وقتل واغتيالات وتفجيرات .
 
ثانيا :ضغوط لبنانية على الفصائل ﻹنهاء الحالة الشاذة في المخيم والتي أثرت سلبا على الجوار من النواحي اﻷمنية واﻹقتصادية اﻷمر الذي أوجد تذمرا واسعا بين أهالي مدينة صيدا .
 
ثالثا : تعرض مراكز الجيش اللبناني لاعتداءات متكررة ووقوع بعض الخسائر في اﻷرواح .
 
رابعا: حاجة حركة فتح إلى تجاوز خلافاتها الداخلية وإثبات حضورها كرائدة للكفاح المسلح وأنها مع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية تبقى مرجعية الشعب الفلسطيني وحامية للمشروع الوطني , وأنها المعنية أولا وأخيرا بإعادة اﻹستقرار واﻷمن إلى ىمخيمات لبنان ومحيطها رغم عدم وجود غرفة عمليات مشتركة تسبق ساعة الصفر.
 
خامسا : رغبة الفصائل اﻹسلامية المشاركة في القرار الخروج من دائرة اﻹحراج الذي يتسبب بها رغم توفير الغطاء والدعم اللازم له في فترات سابقة .                      
إنه مخيم عين الحلوة الذي ذاق أهله مرارة التهجير والقهر والظلم والحرمان والحصار وظلم ذوي القربى ومتاعب الحياة وقساوتها ، واكتوى ساكنيه بنار الغربة والتهميش والتجريح والتطاول ، ورغم ذلك بقي حلم العودة إلى فلسطين هو اﻷمل وسط ركام التيئيس والتطفيش واستجلاب جماعات إرهابية تكفيرية إليه ليصبح فيما بعد ملجأ للمجرمين والقتلة الضالعين في إرسال المقاتلين إلى سوريا والمتورطين في تزويد اﻹنتحاريين باﻷحزمة الناسفة وتنفيذ اﻹغتيالات بحق فلسطينيين ولبنانيين وافتعال اﻹشتباكات بين الحين واﻵخر تحت حجج وذرائع واهية واستهداف مراكز للجيش اللبناني ومحاوﻻت تعميق الشرخ مع المحيط والجوار وغيرها الكثير....كل ذلك جعل من المخيم الذي يكتظ بسكانه مادة دسمة للتحريض عليه واﻹساءة إليه وتشويه سمعة مناضليه واستثمار ما يجري داخله في خدمة أغراضهم الدنيئة ونواياهم الخبيثة. فمنهم من وصفه بالبؤرة اﻷمنية ، ومنهم من اعتبره مأوى وملاذا آمنا للفارين من العدالة ، ومنهم من همس سرا بضرورة تعميم تجربة مخيم نهر البارد بمعنى إزالته من الخريطة الجغرافية للبنان ...لكن مهما تكن اﻷهداف والمبررات لهذا البعض أو ذاك فقد بات ما يجري في المخيم يشكل خطرا حقيقيا على إمكانية بقائه ، وعبئا وإحراجا للجميع ، وإساءة للعلاقة مع الجوار ، وضربا للإقتصاد واﻷمن ...أما وقد بلغ السيل الزبى وطفح الكيل بالويل وخرجت اﻷمور عن السيطرة وتكشفت اﻷهداف والنوايا ، فقد بات ملحا اﻹقدام على خطوة جريئة وشجاعة تضع حدا للإنتهاكات اليومية وتنهي الوضع الشاذ وتعيد قرار التحكم في أمر المخيم إلى مناضليه الحريصين على هدوئه واستقراره لحين العودة إلى أرض الوطن فلسطين ...إذ من غير المنطقي وغير المقبول أن تستمر شرذمة من الضالين بالتسلط برقاب العباد والتحكم بمجريات اﻷمور وتخلق لنفسها مربعات أمنية ونواتات ﻹمارات إسلامية زائفة تخدم أجندات خارجية مشبوهة وتبقى هي صاحبة القرار على حساب المرجعية الحقيقية للشعب الفلسطيني أعني منظمة التحرير الفلسطينية رغم شوائبها ونواقصها...من هنا كان لا بد من اللجوء إلى إتخاذ قرار تاريخي يضع حدا نهائيا لمرحلة اﻹستنزاف الطويلة والتي لا يستطيع أحد التكهن بنتائجها الكارثية ونهايتها المأساوية على الجميع. وتوفر اﻹجماع الفلسطيني للمرة اﻷولي على إنهاء ظاهرة بلال بدر اﻹرهابية ، وتشكلت القوة اﻷمنية المشتركة بعد تفشيل جميع اﻷطر واللجان اﻷمنية السابقة، ووضعت خطط اﻹنتشار والتموضع ، وعند التنفيذ تعرضت ﻹطلاق النار عليها في محاولة من عصابة بلال بدر إفهام الجميع برفض اﻹطار والقرار وعدم السماح باﻹقتراب من حدود إمارته في حي الطيرة.
 
سادسا: انحياز الجماعات اﻹسلامية وفي طليعتهم حركة حماس لحليفهم بلال بدر وعدم حماسهم للذهاب بعيدا في الحسم العسكري خشية أن تقطف حركة فتح النتائج ويتعاظم نفوذها وتدور الدائرة عليهم في قادم اﻷيام إن هم فكروا في تنفيذ أجنداتهم الخاصة بهم .
ويبقى الخاسر الوحيد هو الشعب الفلسطيني وحق العودة...
فهل يتعض الواهمون ويعملون صادقين على تجنيب المخيم جولات وجولات؟
 
كاتب ومحلل فلسطيني من عين الحلوة