بين المقاومة والسلطة..إطلالة على تفاعل الإعلام الفلسطيني مع انتفاضة القدس

 

بقلم محمد أبو طربوش

مدير الإعلام في مؤسسة القدس الدولية

 

تتميز الساحة الفلسطينية بالامتداد، جغرافيًا، بما يكافئ الحضور الفلسطيني في الوطن والشتات، كما أن مكونات المشهد الإعلامي الفلسطيني زاخرة وعصية على الحصر، لذلك سنحاول الوقوف عند بعض الملاحظات التي تجلت من خلال تفاعل بعض وسائل الإعلام الفلسطينية الرئيسة مع انتفاضة القدس المستمرة، والتي من المبكر الحديث عن تقييم نهائي لتفاعل الإعلام الفلسطيني معها.

 

عند الحديث عن الإعلام الفلسطيني وتفاعله مع انتفاضة القدس سواء من خلال تحليل الخطاب أو الصورة، لا بد من الإشارة إلى أن الإعلام الفلسطيني بمجمله إعلام حزبي فصائلي يتبنى رؤى وأفكار الحزب "الفصيل" ويتقيد بأجندته ومشاريعه السياسية، فالتغطية الإعلامية تدخل في إطار التسييس والتوظيف الاستراتيجي الإعلامي لصالح تيار سياسي محدد. وهنا وبعيداً عن شعارات ونغمات الوطنية التي تستخدمها الفصائل الفلسطينية في التعبئة الجماهيرية، وبعيداً عن أصول الممارسة المهنية الصحفية وإجادة العمل، فإن واقع الاحتلال يفرض علينا أن نغوص في أغوار الإعلام الفلسطيني من خلال النظر إلى منطلقاته من الثوابت الوطنية والنظرة إلى الاحتلال، حيث لا يمكن فصل دور الإعلام عن المنطلقات والثوابت الوطنية في بلد ينشد الحرية من الاحتلال.

 

وعند الحديث عن تفاعل الإعلام الفلسطيني مع انتفاضة القدس يبرز لدينا تياران أساسيان يحاول كل منهما أن يفرض "البروباغندا" الإعلامية الخاصة به وهما: تيار الإعلام المقاوم الذي بات يطلق عرفًا على وسائل الإعلام الفلسطينية التي تتبنى مشروع المقاومة وهي بطبيعتها وسائل إعلامية تتبع لفصائل أو أحزاب فلسطينية جوهر مشروعها السياسي مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بكل السبل المتاحة وفي مقدمتها الكفاح المسلح أو المقاومة المسلحة. وتيار إعلام السلطة أو التسوية الذي بات يطلق عرفًا على وسائل الإعلام الفلسطينية الحكومية التي هي من نتاج سلطة أوسلو والتي تروج لمشروع التسوية السلمية والمقاومة الشعبية..

 

تفاعلات المقاومة والسلطة..

في ظل الصراع الوجودي مع الاحتلال الصهيوني ينبغي على الإعلام الفلسطيني أن تكون له استراتيجية إعلامية واضحة في مواجهة الاحتلال، بحيث تكون الممارسة الإعلامية التقليدية مختلفة، فتغدو صناعة الخبر معبرًا إلى صناعة الموقف فلا يعقل لأي مشروع إعلامي جاد ويدعي القيام بمهام وطنية أن يقتصر دوره على نقل الأحداث أو ترويج "البروباغندا" الخاصة بمشروعه الإعلامي. وهنا لا بد من الاعتراف حقيقة أن الإعلام الفلسطيني يعاني من إشكالية عميقة في المضامين والمصطلحات السياسية واللغوية لتأثره بالخطاب السياسي والمشاريع السياسة المختلفة، وهذا ما يخلق حالة من التفاوت في تفاعل كل وسيلة مع انتفاضة القدس، وينتج عن ذلك جملة من الملاحظات على الأداء كالآتي:

 

إعلام المقاومة:

تبني الانتفاضة ودعمها وإسنادها إعلاميًا، وإطلاق اسم "انتفاضة القدس" عليها، وإطلاق وسم "هاشتاغ" موحد للانتفاضة.

تبني أداء إعلامي منسجم مع الثوابت الوطنية ومشروع المقاومة قوامه التحريض على الفعل المقاوم، والتركيز على الجوانب الإيجابية للمقاومة.

تبني وترميز شهداء الانتفاضة، وإبراز دور عوائلهم المحتضن لخيار المقاومة.

توحيد الكثير من المضامين والشعارات الخاصة بالانتفاضة، وتعزيز الجهود الإعلامية المشتركة كالبث الفضائي المشترك.

محاكاة انتفاضة القدس من خلال تغيرات على صعيد الصورة والمضمون.

مساندة انتفاضة القدس من خلال ما تبثه من أناشيد تحث على الصمود.

الاكتفاء بخطاب الحشد والاستنهاض القائم على العاطفة.

تضخيم ما يحدث وإظهار بطولات الشهداء للإبقاء على أجندات معينة كالتحشيد والاستنهاض، وللحفاظ على صورة الأحداث القائمة واستمرارها دون الإعلان عن برنامج عمل أو أهداف واضحة للانتفاضة (قائمة مطالب واضحة).

 

إعلام السلطة:

التبني المموه أو التبني الاستثماري للانتفاضة، ومحاولة توظيفها سياسيًا باتجاه المفاوضات، مع الإبقاء على رمادية الموقف السياسي او غير القاطع منها.

الدعوة لتبني خيار المقاومة الشعبية، ومحاولة إنكار الفعل المقاوم المسلح.

بث رسائل تحذر من طرق باب المجهول وتذكر بالدمار الذي حل بالمجتمع الفلسطيني نتيجة لأفعال المقاومة التي تعتبرها غير مدروسة.

عدم استخدام مصطلح انتفاضة القدس، والاكتفاء بإطلاق الهبة الشعبية عليها.

عدم مراعاة هيبة حدث الانتفاضة ودماء الشهداء من خلال بث برامج غير متناسبة مع الحدث، فضلاً عن بث بعض مقاطع الفيديو المثبتة للفعل المقاوم.

استئناس الدعاية السياسية، والتعامل مع الانتفاضة كفرصة للاقتصاص والتشهير بالمعارضين.

محاولات تضليل الجمهور من خلال الإيهام بتطبيق اتفاق كيري.

 

الإجماع السياسي- الإعلامي

إن المتابع للمشهد الإعلامي الفلسطيني يرى بوضوح اتساع فجوة التباينات في التوجهات الإعلامية بين إعلام المقاومة وإعلام السلطة، إلا أن حدث "الانتفاضة" يفترض على كل الأطياف الإعلامية - في بلد ينشد التحرر من الاحتلال- أن تكون داعمة ومنحازة لخيار المقاومة في التعبير عن نبض الشارع الفلسطيني ومواقفه وتطلعاته الحقيقية بعيداً عن الأجندات السياسية والمشاريع الحزبية، ورصد مدى التصاق المجتمع الفلسطيني بالاتجاه التاريخي القائم على تبني المقاومة وثوابت الشعب الفلسطيني. وهنا لا بد من ضرورة استعادة الإجماع السياسي- الإعلامي حول الحقوق والثوابت الفلسطينية، واستعادة دور الإعلام الفلسطيني في التحشيد والاستنهاض.

 

وحتى لا نستغرق بالتحليل الصرف لتفاعل الإعلامي الفلسطيني مع الانتفاضة، ولتحسين فرص الاستثمار الأمثل للانتفاضة على المستوى الإعلامي بما يحقق جزءًا من المكتسبات الوطنية نقترح الآتي:

 

تبني سياسة إعلامية موحدة داعمة للانتفاضة لناحية المضامين والمحددات، الرسالة الإعلامية والخطاب الإعلامي.

العمل على توحيد المصطلحات الإعلامية المستخدمة في التغطية، وعدم الاعتماد على المصطلحات الإسرائيلية.

تبني رؤية واضحة للتعامل مع الدعاية الإسرائيلية لتفنيد رواية الاحتلال.

ضرورة تطابق مضامين الرسائل الإعلامية مع الواقع المعشي والتعبير الدقيق عن نبض الشارع والالتصاق بقضايا الجماهير المنتفضة.

الابتعاد عن المناكفات والخلافات السياسية، والارتقاء نحو الخطاب الإعلامي الوحدوي الوطني.

الاهتمام بالإعلام الجديد والاستفادة منه في سبيل إيصال الصور والتسجيلات التي توثق انتهاكات الاحتلال لحقوق الشعب الفلسطيني.

التركيز على تناول القصص الإنسانية لما لها من تأثير في الإعلام وخاصة الغربي.

تعزيز الإنتاجات الإعلامية بلغات متعددة.

تشجيع العمل الإعلامي المشترك وتكريس البث المشترك والتغطية بين مختلف وسائل الإعلام.

تبني حملات إعلامية وطنية موحدة على مواقع التواصل الاجتماعي.

التركيز الممنهج على الجوانب الإيجابية لانتفاضة القدس.

زيادة فترات التغطية الميدانية بما يتناسب مع حدث الانتفاضة، وزيادة الاهتمام بمضمون تقديم البرامج الإخبارية والحوارية.