في قراءة لتطورات الأمور في المسجد الأقصى المبارك

عيد الفصح محطة جديدة في معركة استهداف الأقصى والسيطرة عليه

إعداد: وسام محمد

خاص لموقع مدينة القدس

يبدو أن المشروع الصهيوني ضد المسجد الأقصى المبارك في مسار جديد أكثر تصعيدًا وخطورة ويمهد لمرحلة جديدة من فرض الاستيلاء الإسرائيلي على الأرض والمقدسات.، وإذا كان الاحتلال قد تراجع عن بعض من إجراءاته بحق الأقصى بداية اندلاع انتفاضة القدس، إلا أنه عاد إلى التصعيد من خلال الاعتداءات الاستفزازية بحق الأقصى وسط غياب عربي وإسلامي كامل عن المشهد.

 

حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو قررت التبني الواضح والعلني لمشروع جمعيات "المعبد" التي تهدف للسيطرة الكاملة على المسجد الأقصى المبارك كهدف استراتيجي، وكرست حكومة الاحتلال عددًا من التوجهات التصعيدية ضد المرابطين في الأقصى والداعمين له، وعملت على استهداف الأقصى بشكل مباشر ومتصاعد خلال الفترة الماضية، حيث بدأت هذه المرحلة عندما أعلن وزير جيش الاحتلال موشيه يعالون في 8/9/2015 عن حظر "المرابطين" في الأقصى الذين يعتبرون المدافع الأول عن المسجد أمام اقتحامات المستوطنين وتدنيس الأقصى. ثم استهدفت حكومة الاحتلال الجناح الشمالي للحركة الإسلامية في 17/11/2015 بمرسوم وقّعه وزير جيش الاحتلال موشيه يعالون أيضًا، ويقضي القرار باعتبار الحركة الإسلامية –الجناح الشمالي اتحادًا خارجًا عن القانون بهدف تقييد جهود الدفاع عن القدس والأقصى، وإزالة عقبة من أكبر العقبات التي تقف أمام فرض التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى.

 

وبعد هذه القرارات تبنت حكومة الاحتلال سلسلة من الإجراءات المتتالية للهدف نفسه "دعم الوجود اليهودي في الأقصى وزيادة السيطرة الصهيونية عليه" من خلال إفساح المجال للمستوطنين الصهاينة باقتحام الأقصى بشكل يومي دون أي عوائق أو مضايقات، وإاتاحة المجال لهم للاحتفال بأعيادهم بحرية كاملة كما يحتفل الفلسطينيون العرب في المسجد في أعيادهم، تمهيدًا لمرحلة جديدة في الأقصى.

 

أولاً: عيد الفصح... محطة جديدة في معركة استهداف الأقصى والسيطرة عليه

تستعد منظمات المعبد المزعوم، عبر اتحادها الذي يضم 27 منظمة متطرفة، لاقتحاماتٍ واسعة للمسجد الأقصى المبارك، وتقديم قرابين عيد الفصح العبري في المسجد المبارك الذي يبدأ في الثاني والعشرين من الشهر الجاري ويستمر لمدة أسبوع كامل.

وركّزت الحملات والنشرات الإعلامية عبر مواقع هذه المنظمات ومواقع التواصل الاجتماعي على أهمية المشاركة الواسعة في هذه الفعاليات التي تشمل، اضافة إلى الاقتحامات الواسعة وتقديم قرابين الفصح في الأقصى، وجولات ومسيرات حول وقُبالة أبواب المسجد الأقصى تمر من وسط أزقة بلدة القدس القديمة من باب السلسلة وحتى باب الأسباط.

 

وأعلنت منظمات المعبد أن فعالية التدريب على تقديم القرابين ستقام الاثنين 18 نيسان/أبريل في مستوطنة "بيت أوروت " على جبل الطور/الزيتون قبالة المسجد الأقصى، من الساعة الثانية بعد الظهر وحتى السابعة مساءً، ويتقدم المشاركين "راب" مدينة القدس أرييه شطيرن و"راب" مدينة صفد شموئيل ألياهو، بالإضافة إلى العديد من الربانيم من مستوطنات القدس والضفة الغربية المحتلة، عدا عن مشاركة عضو الكنيست الصهيوني ميكي زهر -حزب الليكود -وعضو بلدية الاحتلال في القدس أرييه كنج.

 

وهنا لا بد من الإشارة، إلى أن فعالية التدرب على تقديم قرابين الفصح العبري، بدأت تتحول في السنين الأخيرة من فعالية متواضعة يشارك فيها أفراد في مواقع بعيدة عن المسجد الأقصى، إلى فعاليات تقترب أكثر فأكثر من المسجد الأقصى، ويشارك فيها المئات من اليهود المتطرفين وسط تغطية إعلامية إسرائيلية كبيرة.

ففي الأعوام الماضية شارك العشرات فقط في هذه الفعالية التي كانت تقام في أحياء غربي القدس، أما في العام الماضي فأقيمت في حي "كريات موشيه" وسط القدس المحتلة بمشاركة نحو ألف شخص، في حين توجهت الدعوة هذا العام لإقامة الفعالية على بعد مئات الأمتار من المسجد الأقصى، في موقع مطلّ عليه ويكشف صحن قبة الصخرة.

 

واعتمد "معهد المعبد" هذا العام وضع صورة رئيسة واضحة لصفحته الخاصة على الفيسبوك يظهر فيها رافعات كبيرة تقوم ببناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك.

وقد علق العديد من المدونين من أتباع منظمات المعبد على صفحات التواصل الاجتماعي، حول هذا النشاط ومكانه "أننا رويدًا رويدًا نقترب من الوقت والموقع الحقيقي لتقديم قرابين الفصح العبري" وتوقعت منظمة "نساء من أجل الهيكل" أن العام الحالي سيكون الأخير الذي تجري فيه تدريبات افتراضية، إذ قالت:" سنحتفي معًا في العام القادم بتقديم القرابين واقعًا وحقيقةً في مكانها" أي في المسجد الأقصى المبارك.

ودعت منظمات يهودية إلى مسيرة تلمودية من عدة مناطق في الداخل نحو القدس، تبدأ يوم الأحد 24/4/2016 وتنتهي صباح الاثنين بصلوات قرب المسجد الأقصى، ثم دعوات لاقتحام جماعي وتقديم القرابين في المسجد، وفي حال عدم التمكن من ذلك فستتم المراسيم في حي الشرف القريبة من الأقصى، كما دعا "معهد المعبد" للمشاركة الفاعلة في معرض حول أدوات المعبد المزعوم في قاعات العرض التابع للمعهد في قلب القدس القديمة قريبًا من الجهة الغربية للمسجد الأقصى.

 

وفي قراءة للتحضيرات عيد الفصح والأنشطة المراد إقامتها هذا العام فيتبين التالي:

  1. أن الجمعيات اليهودية تكثف من فعالياتها وتستغل موسم عيد الفصح العبري بشكل خاص لاستهداف المسجد الأقصى والربط بين عيد الفصح العبري وتقديم القرابين اليهودية بين أسوار المسجد الأقصى المبارك، لاعتبار هذا العيد "فرصة ذهبية" والطريق الأفضل لطرح هذا الملف كجزء من الرواية التلمودية.

  2. أن اختيار "معهد المعبد" لصورته الرئيسة على الفيسبوك التي يظهر فيها رافعات كبيرة تقوم ببناء المعبد المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك، يعد إشارة خطيرة واضحة لإعلان الحرب العلنية والمباشرة ضد المسجد الأقصى المبارك.

 

ثانيًا: استهداف المرابطين والمرابطات

صعدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي حملتها الأمنية ضد المرابطين والمرابطات في الأقصى، وعملت على استهدافهم واعتقالهم من أماكن مختلف لا سيما الاعتقال الليلي من داخل منازلهم خاصة المرابطات، كعامل ضغط عليهن وعلى رباطهن في الأقصى، وسعت إلى إفراغ الأقصى من المرابطين والمرابطات الذين تصفهم سلطات الاحتلال بـ "المشاغبين" حيث توعد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بملاحقة روّاد المسجد الأقصى والمرابطين والمرابطات وتوقيف نشاطهم، وقال خلال جلسة لكتلته البرلمانية في "الكنيست" في 11/1/2016 أنه سيعطي التعليمات اللازمة لذلك، وهذا ما بدأت فعليًا تنفيذه شرطة الاحتلال خلال الفترة الماضية، فعملت على استهداف الكثير من الشخصيات العاملة لأجل الأقصى وأخضعت قسمًا منهم إلى الاعتقال والقسم الآخر نحو الابعاد والتهديد والاعتداء بالضرب.

وأصدرت سلطات الاحتلال سلسلة من القرارات بحق المرابطات اللواتي يتصدرن مشهد الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك، وجاءت قرارات سلطات الاحتلال على الشكل التالي:-

 

  • فرض الحبس المنزلي على المرابطة المقدسية سحر النتشة في 6/4/2016 بعد اعتقال دام 11 يومًا وإالزامها بدفع كفالة مادية بقيمة ثلاث ألاف شيكل.

  • اعتقال المعلمة المرابطة هنادي الحلواني يوم الأربعاء خلال انتظارها جلسة محاكمة المقدسية سحر النتشة في 22/3/2016، والاعتداء عليها بالضرب المبرح خلال عملية الاعتقال، ثم أعيد اعتقالها في 9/4/2016 مع عدد من المرابطات خلال قمع مسيرة للمبعدات عن المسجد الأقصى.

  • اعتقال سلطات الاحتلال المرابطة المقدسية راوية القواسمي في 6/4/2016 أثناء خروجها من المسجد الأقصى.

  • اعتقال المقدسيتين المرابطتين إكرام وسماح الغزاوي مساء يوم الخميس 7/4/2016 من منزلهما الكائن في حي الثوري في سلوان جنوب الأقصى.

  • اعتقال المسنة المقدسية زينات عويضة (63 عامًا) في 9/4/2016.

 

وارتفع عدد المبعدين عن المسجد الأقصى المبارك والقدس القديمة منذ بداية الشهر الجاري، إلى 16 مواطنًا تتراوح مدة ابعادهم بين 15 يومًا و6 أشهر، فضلًا عن عشرات القرارات السابقة بإبعاد سيدات وشبان وشخصيات اعتبارية عن المسجد لفترات متفاوتة.

وشملت قرارات الإبعاد التي أصدرها الاحتلال منذ مطلع شهر نيسان الجاري، ثماني سيّدات من مدينة القدس هن: راوية القواسمي، عايدة الصيداوي، دلال الهشلمون، إكرام وسماح غزاوي، زينات عويضة، سميحة شاهين، سناء الرجبي. ومن الرجال: مصطفى السلفيتي، وحازم صيام، ومحمد جبارين، المسن عبد العزيز العباسي بالإضافة إلى أربعة مواطنين من داخل أراضي المحتلة عام 1948.

 

كما شنت سلطات الاحتلال حملة اعتقالات بين المسنين فجر يوم الخميس 14/4/2016 في القدس المحتلة، والمعتقلون هم: الحاج مثقال القاق أبو فايز 70 عامًا، أكرم الشرفا 45 عامًا، سعيد سمرين 70 عامًا، عمر سمرين 57 عامًا . أبو أنس عرفه 67 عامًا، توفيق غيث 60 عامًا، أبو محمد الجولاني 60 عامًا، الحاج ربحي غوشه 63 عامًا، أبو نعيم السيوري 63 عامًا، أبو وسام الرجبي 62 عامًا، أبو خضر أبو أسنينه 72 عامًا، سفيان جادالله 50 عامًا، نبيل الشريف 70 عامًا، نبيل الشريف 70 عامًا ، وجميعهم اعتقلوا فجرًا بعد اقتحام وتفتيش منازلهم بحجة الصلاة والرباط في المسجد الأقصى.

 

 

وفي تطور خطير أيضًا، أصدرت سلطات الاحتلال في 10/1/2016 قرارًا يقضي بقطع الخدمات الطبية عن عائلات ثلاث مرابطات مقدسيات هنّ سحر النتشة، خديجة خويص و هنادي الحلواني.

حيث يشمل القرار منع المرابطات المقدسيات وأبنائهن وأزواجهن من تلقي جميع الخدمات العلاجية والطبية داخل مدينة القدس المحتلة، في مخالفة واضحة للأعراف والمواثيق الدولية التي تنص على أن العلاج والخدمات الصحية حق لأي إنسان مهما كان جنسه أو عرقه أو دينه.

 

ويهدف الاحتلال من خلال هذه الاجراءات ( الاعتقال- الابعاد- والاعتداء بالضرب) إلى ثني المرابطين والمرابطات عن الاستمرار بدورهم في الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك، والتصدي للمستوطنين الذين يقتحمون المسجد الأقصى بشكل متكرر، ولتفريغ الأقصى من رواده والمدافعين عنه بغية افساح المجال أمام المستوطنين الصهاينة للتمتع باقتحامهم للأقصى دون أي اعتراض من قبل المرابطين، وهكذا تكون حكومة الاحتلال كرست سلطتها الأمنية الكاملة على المسجد الأقصى المبارك كسلطة أمنية وحيدة لا يشاركها أحد، هي التي تقرر من يدخل الأقصى ومتى ومن لا يحق له دخول الأقصى.

 

ثالثًا: استهداف المشاريع والشخصيات الداعمة للأقصى

اتهم رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الشيخ رائد صلاح بالسعي لتأجيج الأوضاع السياسية في المسجد الأقصى والتحريض على منطقة "المعبد اليهودي المزعوم".

وقالت القناة السابعة في التلفزيون العبري، إن تصريحات نتنياهو جاءت خلال جلسة حكومة الاحتلال، يوم الأحد 11/4/2016، بمشاركة مسؤولين كبار في جهاز مخابرات الاحتلال الإسرائيلي "الشاباك"، وقال نتنياهو "إن رائد صلاح يحاول تأجيج الأوضاع في القدس ومن المفترض أن يكون محتجزًا في السجن"، مطالبًا الجهات الأمنية بإبعاده عن الأقصى.

 

 

وصعدت سلطات الاحتلال ملاحقتها لمندوبي مشروع "قوافل الأقصى" لشد الرحال الذي تنظمه جمعيات العربية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 من بينها جمعية الأقصى لرعاية الأوقاف والمقدسات الإسلامية في الأراضي المحتلة.

واستدعت سلطات الاحتلال في 28/3/2016 أحمد نمر أبو الهيجا من مدينة طمرة للتحقيق معه وطلبت منه عدم تنظيم أوالمشاركة في قوافل شد الرحال إلى المسجد الأقصى، وسلمته بلاغًا بالإبعاد عن بلده لمدة أسبوع.

كما أوقفت سلطات الاحتلال في 8/4/2016 خطيب الأقصى الشيخ محمد سليم، لدى خروجه من المسجد الأقصى بعد أن ألقى خطبة الجمعة، متهمةً إياه بـ "التحريض".

 

وفي الشق الآخر لإجراءات وسلوكيات الاحتلال، فقد نفى مكتب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بينامين نتنياهو ما نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية في 11/4/2016 بأن يكون تعهد للملك الأردني عبد الله الثاني بالحد من اقتحامات المستوطنين الإسرائيليين خاصةً المتطرفين للمسجد الأقصى. وقال نتنياهو في تصريح رسمي صدر عن مكتبه "لم يتعهد رئيس الوزراء في أي مرحلة كانت بالحد من زيارة اليهود إلى جبل المعبد"، مشيرا إلى أن القيود الوحيدة التي فُرضت كانت على نواب الكنيست العرب واليهود.

 

وبالتالي يؤكد نتنياهو مواصلة دعمه للجماعات اليهودية المتطرفة وأنه لم يتراجع عن دعمه للجماعات اليهودية، وأنه مستمر في دعم هذه المجموعات خاصة المتطرفة منها، وهو يعطي لهم الضوء الأخضر لاقتحام الأقصى بقوة ابتداءً من عيد الفصح العبري وما بعده، وفقًا لتوقيت التصريح الذي جاء في هذه المرحلة التي يستعد فيها المستوطنون وجماعات المعبد لاقتحامات واسعة للمسجد الأقصى المبارك احتفاء بعيد الفصح العبري، كما يقول نتنياهو أيضًا من خلال هذا التصريح أن لا سلطة ولا تنسيق مع أحد في شأن السيادة على المسجد الأقصى، وأن السلطة الوحيدة له ولحكومة الاحتلال.

 

خلاصات:

  • إذًا، تعمل سلطات الاحتلال على حصار المسجد الأقصى المبارك من خلال إفراغه من المرابطين والمصلين والناشطين في مشاريع دعم الأقصى بغية افساح المجال أمام مئات المستوطنين المستعدين للاحتفال بعيد الفصح العبري خلال الأيام القليلة الماضية.

  • يأتي عيد الفصح ليثبت التقسيم الزماني في المسجد الأقصى المبارك، وأن أعياد اليهود هي أوقات مخصصة لعبادة اليهود فقط ولا يحق للمسلمين الدخول والتعبد في المسجد.

  • تنظر جماعات المعبد وحكومة الاحتلال إلى عيد الفصح على أنه مرحلة جديدة في التعامل مع الأقصى وبالتالي فهي تكرس إجراءات ميدانية على الأرض تسعى من خلالها إلى تغيير الوضع القائم في الأقصى والبناء على هذه المرحلة لتكريس اتفاقيات جديدة مع الأطراف المعنية بالمسجد الأقصى المبارك، لا سيما الأردن ودائرة الأوقاف الأردنية.

  • استفادت سلطات الاحتلال من الصمت العربي والإسلامي الرسمي والشعبي لتمرير مخططاتها الهادفة إلى تغيير وضع المسجد الأقصى المبارك.

 

ملاحظة: إن الدراسة أعدت قبل عملية تفجير الحافلة في القدس المحتلة في 18/4/2016، وبالتالي إن القراءة اعتمتدت بشكل كامل على قراءة المشهد قبل وقوع هذا التفجير الذي قد يحول مسار العديد من النقاط والأمور.