"مبادرة وطن" في قرية لوبية المهجرة

 
لوبية كانت قرية فلسطينية تبعد 10 كم غرب مدينة طبريا وكانت تقع على الطريق المؤدي لمدينة الناصرة. هجٍر أهلها عام 1948 على أيدي الاحتلال الإسرائيلي. بلغ بيوت القرية 405 منزل عام 1931، وعدد سكان القرية 2350 نسمة عام 1945. ويسكن معظم أهالي لوبيا حاليا في مخيمات الشتات في الدول العربية المجاورة. وقسم كبير من سكانها يسكن في مخيم اليرموك قرب دمشق، سوريا ومخيم عين الحلوة قرب صيدا، لبنان. كانت القرية تقع على قمة تل صخري مستطيل الشكل، يمتد من الشرق إلى الغرب، وتشتهر بالتين والزيتون والقمح وكانت مبنية على بقايا أثرية تعود إلى الزمن الغابر، قامت العصابات الصهيونية بمهاجمة القرية الوادعة ليل 20 يناير 1948 على يد العصابات الصهونية، بعد سقوط طبريا أواسط أبريل 1948 شعر سكان لوبيا أنهم أصبحوا معزولين فالتفتوا إلى الناصرة لطلب المعونة.
وبعدها شنت القوات الصهيونية عملية ديكل، حيث قصفت القرية قبل دخولها ودمرت بعض المنازل وصادرت البعض الآخر
 
انتعشت لوبية بشكل خاص في عهد حروب الجيوش الإسلامية على الصليبيين، حيث أقام فيها صلاح الدين الأيوبي وجيوشه ونصب حولها كمينا للصليبين في أوائل تموز عام 1187م، وتكللت هذه المعارك بموقعة حطين الشهيرة التي كانت بداية النهاية للصليبيين. ومن أشهر الأسـماء التي ارتبطت بلوبية "الإمام العالم الفقيه" أبو بكر عبد الرحمن بن رحال بن منصور التقي اللوباني (704-838هـ: 1308-1442م).
 
في نهاية القرن الثامن عشر كان يسكن في لوبية الأمير حيدر الشهابي (1761-1835م) (وإليه تنسب حمولة الشهايبة)، فقام الأمير حيدر بقتل شـمدين آغا زعيم الأكراد الذي كان يجبي الضرائب للسلطان العثماني ويذيق سكان البلاد شتى أنواع الظلم والعذاب، فخلص البلاد منه، واضطر حيدر وأهل بيته لمغادرة المنطقة جنوبا إلى أن استقر بهم الأمر في مصر، فشهد أهل البلاد للوبية بأسهم وتضحيتهم في نصرة الحق.
ليس من الغريب أن توصف لوبية بأنها "شوكة في خاصرة المشروع الصهيوني"، (وهذا هو عنوان كتاب للدكتور إبراهيم يحيى الشهابي من أبناء لوبية المقيمين في سوريا)، فمنذ بداية الحكم البريطاني في فلسطين كانت لوبية معقلا للنضال البطولي ضد الإنجليز والاستيطان اليهودي، وكان مناضلوها يجوبون البلاد لنصرة الثوار وشد أزر القرى الأخرى التي كانت تتعرض للهجمات. وقد اعترف العديد من قادة وأفراد القوات اليهودية بأن لوبية كانت "الصداع الأكبر" لهذه القوات، وأنها كانت موضع كراهية خاصة من قبل المستوطنين اليهود.
من شهداء لوبية الذين سقطوا في ثورة 1936 أحمد محمد الشهابي الذي استشهد مع مجموعته الأربع عشرة من الثوار في معركة خاضوها ضد الإنجليز في قرية دير الغصون قضاء طولكرم. وقد نسف الإنجليز ثمانية من بيوت لوبية انتقاما من المقاتل صالح الرقية الذي قاد فصـيلا من 30 ثائرا واشـترك في العديد من معارك الثورة، وفي النهاية ضرب هذا الرجل الإنجليز ضربة موجعة أفقدتهم صوابهم. وصالح الرقية هو صالح المحمد الطه من آل غيث من حمولة الشناشرة، وكان مطلوبا للإنجليز بسبب نشاطه الثوري. في أحد الأيام بينما كان صالح عائدا مع مغيب الشمس إلى لوبية من قرية نمرين على ظهر فرسه، تعرف عليه الإنجليز فأرسلوا سيارة جيب لملاحقته وعلى متنها ضابط وشاويش ونفرين ومترجم يهودي من طبريا، فنصبوا له كمينا في كرم في شمالي لوبية وأصابوه هو وفرسه، فتمركز صالح بين الصخور وبدأ بإطلاق النار على الإنجليز من بندقيته وتمكن من قتل الضابط والشاويش وأحد النفرين، ثم انسحب على فرسه إلى قرية عيلبون المجاورة، ومن هناك نقله الثوار إلى دمشق للعلاج.
كانت لوبية ثالث بلد في الجليل الأسفل من حيث عدد السكان بعد الناصرة وصفورية، وكان فيها 2726 نسمة عشية التهجير عام 1948. منذ قرار التقسيم في 29/11/1947 لم تنقطع المعارك في لوبية، وكانت القوات اليهودية تحاول احتلالها ليسهل عليها اجتياح باقي الجليل. وفي منتصف آذار 1948 تمكن مقاتلو لوبية من سـد الطريق إلى طبريا ومنع المستوطنين اليهود من استعمالها، وردا على ذلك أخذت مدفعية القوات اليهودية بقصف القرية دون انقطاع، ثم أخذت الطائرات تقصفها من الجو كل ليلة لمدة شهرين. وفي 8/6/1948 بدأ الهجوم الأكبر على لوبية، بالدبابات والمدرعات من الشمال الشرقي، وبفرق المشاة من الجنوب والجنوب الغربي. وتتفق رواية أهل لوبية مع رواية اليهود الذين اشتركوا في هذه المعركة، على أن لوبية حققت نصرا ساحقا على القوات المهاجمة التي تكبدت خسائر جسـيمة في المعدات والأرواح، فقد دمرت معظم المدرعات اليهودية ولم ينجُ من جنودها إلا نفر قليل، بينما استشهد 12 من مقاتلي لوبية وعدد آخر من أبناء القرى المجاورة الذين جاءوا لنجدة لوبية.
وفي 10/6/1948 وصل جيش الإنقاذ إلى المنطقة، وقام بمساعدة مقاتلي لوبية باحتلال السجرة، ولكن بعد احتلالها أمرتهم القيادة العليا بالانسحاب منها فاحتلها اليهود من جديد. ثم لأسباب مجهولة، منعت قيادة جيش الإنقاذ التموين عن الجيش، ثم أمرتهم بالانسحاب إلى سهل طرعان في الغرب. وفي 17/6 سقطت صفورية ثم الناصرة، وكانت طبريا بيد اليهود، فأصبحت لوبية محاصرة من كل الجهات، فأدرك أهلها أنهم لن يستطيعوا الدفاع عن لوبية إلى الأبد وقد سقط كل ما حولها وبدأ جيش الإنقاذ بالانسحاب طالبا منهم إخلاء القرية بحجة الابتعاد عن القصف.
في ليلة 18/6/1948، خرج أهل لوبية وتجمعوا في جبال نمرين وحطين، وفي الصباح طوقت مدرعات القوات اليهودية البلد وأخذت تقصفها بيتا بيتا طيلة 3 أيام، ثم دخلتها في صباح 21/6 فهدمت ما بقي صامدا من بيوتها. وترك أهل لوبية البلاد مع من تركوها، وهم الآن يعيشون في مخيم اليرموك في سوريا ومخيم عين الحـلوة في لبنان، وقليلون منهم بقوا في البلاد (خصوصا في الناصرة وقرية دير حنا).
مصلح كناعهن