ذكرى سقوط مخيم تل الزعتر الأربعين الى أسطورة تتناقلها المخيمات كلها

تل الزعتر سيبقى عنوان مأساة اللجوء وهو محطة من محطات كثيرة في تاريخ اللجوء الفلسطيني التي لم تحظ بالبحث والتوثيق الكافيين لحفظها، ولو حاولنا مقارنة مجزرة تل الزعتر بسواها من المجازر لوجدنا، إضافة الى الأهداف والمنفذين، سمة مشتركة أخرى بينها وهي "الافلات من العقاب"، وعندما يمر المرء بالطريق العام المحاذي لتل الزعتر اليوم فلا شيء يدل على وجود حياة سابقة هناك، منطقة وعرة تنتشر فيها بعض المصانع وصمت ورهبة يطبقان على المكان، هنا سفكت دماء بريئة ببرودة أعصاب، واغتصبت نساء وأذل الشيوخ وقتل الشباب على مرأى من اهلهم وأبنائهم، ولا يزال المجرمون طلقاء يجولون بيننا.

في 12 آب 1976 تحوّل تل الزعتر الى أسطورة تتناقلها المخيمات كلها، هكذا اراد الكيان الصهيوني من خلال عملائه ضرب نمو ظاهرة الثورة الفلسطينية من خلال تفجير الحرب الأهلية والصراع اللبناني فلا يمكن أي شخص ان يغفل التناقضات الحادة التي كانت قائمة بين الحركة الوطنية اللبنانية، والسلطة اللبنانية انذاك والتحالفات المحيطة بها، وبعض الأطراف الأخرى،حيث اقدمت القوى الانعزالية على الهجوم على باص كان يحمل عدد كبير من المواطنين اتى بعد انتهاء المهرجان المركزي في الذكرى السنوية الاولى لعملية الخالصة البطولية الذي اقيم في مخيم تل الزعتر في عين الرمانة، وكانت هذه التناقضات تملي علي الثورة الفلسطينية الوقوف الى جانب الحركة الوطنية اللبنانية لاعتبارات عدة، حيث وجدنا أنفسنا في دوامة الصراع الذي لم نكن نرغب في ان يأخذ هذا المنحى الذي أخذه، الا ان هناك مخططا مرسوما من قبل القوى المعادية للثورة لضربها وتصفية الحركة الوطنية اللبنانية.

ونحن اليوم تعود بنا الحقيقة ان مجازر تل الزعتر وحملات الإبادة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني فيه ولدت لدي ألما كبيراً جداً، خصوصا على الصعيد الإنساني والأخلاقي العام، فلم نتصور ان يصل الانحطاط الأخلاقي والإنساني الى هذه الدرجة من الاجرام والفاشية، وبعد سقوط المخيم دخلت المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية في معركة عنيفة كانت تستهدف تصفية الثورة الفلسطينية وتجلى القائد العربي الكبير كمال جنبلاط اذ كانت عملية اغتياله تحمل الكثير من الدلائل السياسية، لأن كمال جنبلاط كان قائداً لبنانياً وقائداً عربياً كبيراً، وكان الوحيد القادر على قيادة لبنان العربي المنشود، الا ان زيارة السادات الى القدس في ذاك الحين أحدثت متغيرات كبيرة في المنطقة ودفعت بعض القوى الى إعادة النظر في حساباتها السياسية، فكان ان دخلت الحرب في لبنان منحى آخر مع استمرار الجوهر وتبدل التحالفات الداخلية والخارجية.

حكاية مخيم تل الزعتر، تروي السطور المأساوية من حياة وكفاح الشعب العربي الفلسطيني، وفلسطينيي لبنان على وجه التحديد الذين لاقوا الهوان والذل والحرمان منذ أن وطأت أقدامهم أرض لبنان عام النكبة، كما تروي في جانبها الآخر صفحة مجيدة من تاريخ الشعب الفلسطيني، وكفاحه الوطني، وبطولة سكان المخيم الذين صنعوا أسطورة حية تلهم أمة بكاملها على مدى الأجيال القادمة، حيث صمد أبناء الشعبين الشقيقين الفلسطيني واللبناني الذين كانوا يسكنون في المخيم ، وقاتلوا ببسالة منقطعة النظير دفاعًا عن أرواح الناس من النساء والأطفال والشيوخ وكبار السن، ومع كل هذا صمد تل الزعتر صموداً أسطورياً لمدة 3 شهور كاملة، رغم أن الموت كان مزروعاً في كل الدروب، ويشهد لأطباء تل الزعتر الذين كان دوائهم وعلاجهم للمرضى (بالماء والملح)، وأجبر الأهالي والمقاتلين على إخلاء المخيم بتاريخ 12/8/1976، فلم يستسلم المقاتلون واستمروا بالقتال حتى إخلاء المخيم من الأهالي ومن ثم شقوا طريقهم الصعب والمميت عبر الجبال.

ومن هنا انتهى حصار تل الزعتر بكارثة إنسانية لم يسبق لها مثيل، رغم الوعود لوجهاء المخيم، خرج الأهالي من الملاجئ وسلموا أنفسهم لترحيلهم، وهنا بدأت أكبر المجازر في التاريخ المعاصر، حيث أباح (الفاشيست) لأنفسهم حق إعدام كل من وجدوه داخل المخيم، واستمروا ذبحاً وقتلاً دون تمييز بين رجل أو امرأة أو شيخ أو طفل، أما الفتيات الجميلات فقاموا باغتصابهن أمام أهاليهن، فحطموا البقية الباقية من قلوب الرجال، وبعد ذلك انهالوا عليهم قتلاً وذبحاً ، من أبشع المناظر على مر التاريخ، وكذلك قاموا ببقر بطون الحوامل والتنكيل بالجثث ورسم الصليب بالنار على الجثث، وطلبوا من الأمهات قطع رؤوس أولادهن، حيث غلت دماء الأمومة وانفجرت لتسقط على درب الشهادة التي هي أرحم مما أمرن بالقيام به ألف مرة.

وفي ظل هذه الظروف مرت الثورة الفلسطينية بالكثير من المحطات المؤلمة والجروح النازفة، وخاصة مجازر تل الزعتر وحملات الإبادة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني واللبناني الذي يقطن فيه، حيث ولدت ألما كبيراً جداً، خصوصا على الصعيد الإنساني والأخلاقي العام، فلم نتصور ان يصل الانحطاط الأخلاقي والإنساني الى هذه الدرجة من الاجرام والفاشية، كما ترك سقوط تل الزعتر

على الصعيد السياسي العام، فكان لمخيم تل الزعتر تأثير مباشر على على الوضع الفلسطيني ،حيث دخلت القوى الفلسطينية في معركة كبيرة كانت تستهدف تصفية المقاومة الفلسطينية في لبنان وأدى سقوط تل الزعتر الى انشقاق داخل الجبهة الشعبية القيادة العامة آنذاك حيث خرجت قوى أرادت الخروج عن توجهات الجبهة ، فوقفت أغلبية قيادتها المركزية وكوادرها ومقاتليها بقيادة الشهيد القائد أبو العباس الى جانب شعبنا الفلسطيني في تل الزعتر حيث استعادت اسمها الأول جبهة التحرير الفلسطينية ، ورغم سقوط تل الزعتر، استمرت المحاولات الهادفة لتصفية المقاومة والحركة الوطنية في لبنان ، حيث لم يوقفها سوى زيارة السادات القدس التي أحدثت متغيرات كبيرة في المنطقة ودفعت بعض القوى الى اعادة النظر في حساباتها السياسية، فكان ان دخلت الحرب في لبنان منحى آخر مع استمرار الجوهر وتبدل التحالفات الداخلية والخارجية.

 

https://youtu.be/NYaAEynLckM