ولد الشاعر الراحل عز الدين مناصرة عام 1946 في بلدة بني نعيم، وتوفي متأثرا بإصابته بفيروس كورونا
"سأواصل ثقافة المقاومة حتى الرحيل، فإما إلى القبر وإما إلى فلسطين"، هذه كلمات الشاعر الفلسطيني-الأردني عز الدين مناصرة، التي قالها ذات حوار مع "الجزيرة نت" قبل أكثر من عقد، ورحل اليوم متأثرا بإصابته بفيروس كورونا المستجد.
وقد نعاه وزير الثقافة الأردني، علي العايد، قائلا إنه ترك إرثا ثقافيا مهما خلال مسيرة حياته، وكان أحد أبرز شعراء جيل الستينيات، الذين عبّرت نصوصهم عن هموم التحرّر الوطني، إضافة إلى اشتباكه نقديا مع النص العالمي والعربي والمحلي مقدما في ذلك العديد من المؤلفات، التي تحسب له في هذا الحقل الإبداعي المهم، وإن المشهد الإبداعي فقد اليوم رمزا مهما من رموزه، والذي تجسّدت فيه خصال الحفاظ على الهوية الثقافية العربية والفلسطينية تحديدا، فكان شاعرا عروبيا مقاوما ومنتميا لقضية عربية مركزية قدمها من خلال شعره بصورة لافتة. ولفت العايد إلى التجربة الإعلامية المهمة، التي قدمها الشاعر المناصرة من خلال البرامج الثقافية في الأردن، والتي كانت محطة مهمة في الكشف عن العديد من المواهب والمبدعين، فضلا عن تجربته الفاعلة في الصحافة الأردنية والعربية. كرمل الشعر ونعاه الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين في بيان صدر، اليوم، على لسان أمينه العام، الشاعر مراد السوداني، ووصفه "بالشاعر الثوري الكبير"، وأضاف "رحل شاعر فلسطين الفدائي بفروسية منقطعة النظير". وكما نعاه السوداني على صفحته على الفيسبوك، بقوله "رحمك الله يا أبا كرمل، عز الدين يا كرمل الشعر المقاوم"، وقد ضجت صفحات التواصل الاجتماعي بخبر وفاة مناصرة، والترحم عليه، وتعداد مناقبه ومواقفه في الحياة والآدب. ونعى رئيس رابطة الكتاب الأردنيين، المحامي أكرم الزعبي، الشاعر مناصرة الذي كان أحد مؤسسي الرابطة مطلع سبعينيات القرن الماضي، وقد استقال منها قبل أكثر من عقدين، بقوله "الفقد موجع، وكما يقول درويش فإن الموت لا يوجع الموتى، الموت يوجع الأحياء، وبرحيل الشاعر الكبير الدكتور عز الدين مناصرة تفقد الرابطة خصوصا، والمثقفون في كل الوطن العربي شاعرا متميزا، سطّر حروفه وكلماته في وجدان كل عربي من خلال قصائده الشهيرة، التي صارت على كل لسان (جفرا) و(بالأخضر كفناه) و(عنب الخليل) عزاؤنا أن كلماته باقية وأشعاره خالدة". شاعر ومفكر وناقد وكان الراحل مناصرة، الذي توفي عن عمر يناهز 75 عاما، قد خرج للدراسة في العاصمة المصرية منتصف الستينيات من القرن الماضي، وتخرج فيها بعد نكسة حزيران/يونيو عام 1967، وتقطعت به السبل ليبقى خارج وطنه حتى رحيله، متنقلا بين هنغاريا (المجر) والجزائر ولبنان والأردن. اعلان وهو شاعر وناقد ومفكر وإعلامي ومؤرخ، حصل على الدكتوراه في الأدب المقارن، عاد في السبعينيات إلى عمان وعمل بالإعلام، والتحق بالثورة الفلسطينية ببيروت؛ لكنه لم يكن قريبا من "القيادة"، ولا "السلطة الوطنية الفلسطينية" فيما بعد، وظل معارضا لمواقفها السياسية ونهجها. ويقول في لقاء سابق مع الجزيرة نت "ولدت معارضا، وجاءت الحياة لتثبت لي صحة موقفي، فلا أستطيع بعد هذا العمر أن أكون جزءا من السلطة". ولم يكن مناصرة ينكر صراعا "خفيا أو معلنا" مع الشاعر محمود درويش، حيث يقول كنت الصديق الأقرب لدرويش في بيروت طيلة 10 سنوات؛ لكن "اختلفت معه في بعض المحطات حول ازدواجية موقفه السياسي وطبيعة الحوار مع المثقفين الإسرائيليين". اشتهر مناصرة بقصائده الرعوية والحيزيات و"الكنعانية"، وعد مع محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد من كبار شعراء فلسطين، وكتب في الفكر والتاريخ والنقد التشكيلي والسينمائي، وله العديد من المصطلحات المنحوتة، ومنها "النصاص" لوصف كتاب النص، و"القصيدة الخنثى" لوصف قصيدة النثر. صدر له في الشعر "يا عنب الخليل"، "الخروج من البحر الميت"، "مذكرات البحر الميت"، "بالأخضر كفّناه"، "جفرا"، "كنعانياذا"، "حيزية عاشقة من رذاذ الواحات"، "رعويّات كنعانية"، "يتوهج كنعان"، (مختارات شعرية). اجترح مفاهيمه الخاصة كما اهتم بالنقد في الأدب والتنظير لمفاهيمه الخاصة، فقد عني بنقد التشكيل، وأصدر فيه مجموعة من الكتب، منها موسوعة الفن التشكيلي الفلسطيني في القرن العشرين (في مجلّدين)، وفي الفن السابع السينما الإسرائيلية في القرن العشرين. ويقول الناقد التشكيلي حسين دعسه "خسرت الثقافة العربية، والفلسطينية تحديدا مثقفا ناقدا من أعلام الشعر، ساهم في تطور الشعر والنقد، والكتابة الموسوعية، اشتغل الراحل على مهمة المعرفة، وسعى إلى تطوير منهجيات النقد الثقافي، واشتغل على التحول الحضاري والثقافي، وهو الذي امتلك حساسية الناقد والمفكر العربي في ظل حروب وأزمات سياسية وحضارية". وللراحل في النقد الثقافي والأدبي "إشكالات قصيدة النثر"، وفي النقد "حول إشكالية قصيدة النثر"، و"نقد الشعر في القرن العشرين"، وفي القراءة الفكرية "الكف الفلسطيني تناطح المخرز الأمريكي"، و"النقد المقارن"، غنى قصائده مارسيل خليفة، ومنها جفرا، وبالأخضر كفناه، وغنت فرقة العاشقين له "الشهد في عنب الخليل". حاز على عدد من الجوائز، منها جائزة الدولة التقديرية (الأردن)، وسام القدس، جائزة غالب هلسا، جائزة سيف كنعان، وجائزة القدس، التي يمنحها اتحاد الكتاب العرب. كان يقول "لو اعترف العالم العربي بشرعية إسرائيل سأظل الهندي الأحمر الأخير، فلن أعترف حتى أموت". شاعر ومفكر وناقد